قال المكاتب : والمعجز الذي يتلقاه العقل بالقبول هو ما يستحيل العقل جوازه على القوة البشرية ، ويسهل على كل مكلف معرفة وجه اعجازه ، لا ما يتفوق به احد الناس على جميعهم كزيادة الايد والفصاحة مثلا ، والتفاوت بين الرجال عظيم جدا لا يمكن تحديده حتى يمكن تمييزه عن الاعجاز.
اقوال : ليس المعجز ما يمتنع عقلا صدوره على يد البشر ، ولو كان كذلك لما صدر ، لأن الممتنع عقلا لا يوجد ولا يصدر ، بل المعجز هو ما يمتنع عادة على القوة البشرية باعتبار حدودها المجعولة لنوع البشر بحيث يعجز عنه نوعهم ، فيكشف صدوره من مدعى النبوة المنزه عن موانعها عن عناية خاصة به من الله جل اسمه وتفويق له على عامة البشر بتأييد دعوته بدلائل التصديق.
ولا يخفى ان وجه دلالة المعجز على صدق النبوة ليس هو الا ان مدعي النبوة اذا كان ظاهر الصلاح موصوفا بالامانة معروفا بالاستقامة لا يخالف العقل في دعوته واساسياتها وكان مع ذلك كاذبا في دعوى النبوة ، فانه يكون حينئذ تخصيص الله له بالعناية والتفويق على نوع البشر اغراء للناس بالجهل وتوريطا لهم في متاهة الضلال ، وهذا قبيح ممتنع على جلال الله وقدسه.
وتوضيح ذلك : هو ان الناس بحسب فطرتهم السالمة عن رذائل الأهواء والعصبية إذا ظهر لهم صلاح الشخص وصدقه وامانته واستقامته فيما يظهر لهم من أحواله وأطواره توسموا بباطنه الخير وموافقته لصلاح الظاهر ، وكلما أزدادوا خبرا بصلاح ظاهره ازدادوا وثوقا بصلاح باطنه ، الا انه مهما يكن من ذلك فانه لا يبلغ بهم مرتبة العلم والاطمئنان الثابت بعصمته عن الكذب في دعواه وتبليغات دعوته ، لكن