فان لفظة لي ها هنا قد وردت بعد ما ، وقبلها ماله ، ثم قال : «ومالي» فجاء الكلام على نسق واحد ، ولو جاءت لفظة ـ لي ـ هاهنا كما جاءت في البيت الأول لكانت منقطعة عن النظر والشبيه ، فكان يعلوها الضعف والركة.
وبين ورودها هاهنا وورودها في البيت الاول فرق ، يحكم فيه الذوق السليم ، وها هنا من هذا النوع لفظة اخرى ، قد وردت في آية من القرآن الكريم ، وفي بيت من شعر الفرزدق ، فجاءت في القرآن حسنة ، وفي البيت غير حسنة ، وتلك اللفظة هي لفظة «القمل» اما الآية فقوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ) واما البيت ، فقول الفرزدق :
من عزه احتجرت كليب عنده |
|
زريا كأنهم لديه القمل |
وانما حسنت هذه اللفظة في الآية دون هذا البيت من الشعر ، لأنها جاءت في الآية مندرجة في ضمن كلام ، ولم ينقطع الكلام عندها وجاءت في الشعر قافية ، اي : آخرا انقطع الكلام عندها ، واذا نظرنا الى حكمة اسرار الفصاحة في القرآن الكريم ، غصنا منه في بحر عميق لا قرار له.
فمن ذلك هذه الآية المشار اليها ، فانها قد تضمنت خمسة ألفاظ هي : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، واحسن هذه الألفاظ الخمسة هي : الطوفان والجراد والدم ، فلما وردت هذه الألفاظ الخمسة بجملتها : قدم منها لفظة الطوفان والجراد ، واخرت لفظة الدم آخرا ، وجعلت لفظة القمل والضفادع في الوسط ، ليطرق السمع اولا الحسن من الألفاظ الخمسة ، وينتهي اليه آخرا ، ثم ان لفظة الدم