احسن من لفظتي الطوفان والجراد ، واخف في الاستعمال ، ومن اجل ذلك جيء بها آخرا ، ومراعاة مثل هذه الأسرار والدقائق في استعمال الألفاظ : ليس من القدرة البشرية ، انتهى ما ذكره هناك فلنرجع الى ما كنا فيه من البحث في التكرار ، ومن نقل كلام ـ المثل السائر ـ قال : وكثيرا ما يقع الجهال في مثل هذه المواضع ، وهم الذين قيل فيهم :
وكذا كل اخي حذلقة |
|
ما مشى في يابس الازلق |
فترى احدهم قد جمع نفسه وظن ـ على جهله ـ : انه عالم ، فيسرع في وصف كلام بالايجاز ، وكلام بالتطويل ، او بالتكرير ، واذا طولب بأن يبدي سببا لما ذكره : لا يوجد عنده من القول شيء ، الا تحكما محضا صادرا عن جهل محض.
الضرب الثاني من التكرير في اللفظ والمعنى : وهو غير المفيد فمن ذلك قول مروان الأصعر :
سقى الله فجدا والسّلام على نجد |
|
ويا حبذا نجد على النأى والبعد |
نظرت الى نجد وبغداد دونها |
|
لعلي ارى نجدا وهيهات من نجد |
وهذا من العيء الضعيف ، فانه كرر ذكر نجد في البيت الأول ثلاثا ، وفي البيت الثانى ثلاثا ، ومراده في الأول : الثناء على نجد وفي الثاني انه تلغت اليها ناظرا من بغداد ، وذلك مرمى بعيد ، وهذا المعنى لا يحتاج الى مثل هذا التكرير.
اما البيت الأول : فيحمل على الجائز من التكرير ، لأنه مقام تشوق وتحرق وموجدة بفراق نجد ، ولما كان كذلك اجيز فيه التكرير على انه قد كان يمكنه ان يصوغ هذا المعنى الوارد في البيتين معا ،