شَهِيدٌ) فالقلب والفؤاد سواء في الدلالة ، وان كانا مختلفين في الوزن ولم يستعمل في القرآن احداهما في موضع الآخر ، وعلى هذا ورد قول الأعرج من ابيات الحماسة :
نحن بنو الموت اذا الموت نزل |
|
لا عار بالموت اذا حم الأجل |
الموت احلى عندنا من العسل
وقال ابو الطيب المتنبي :
اذا لي مشت حفت على كل سابح |
|
رجال كأن الموت في فمها شهد |
فهاتان لفظتان هما : العسل والشهد ، وكلاهما حسن مستعمل لا يشك في حسنه واستعماله ، وقد وردت لفظة العسل في القرآن دون لفظة الشهد لأنها احسن منها ، ومع هذا فان لفظة الشهد وردت في بيت ابي الطيب فجاءت احسن من لفظة العسل في بيت الأعرج.
وكثيرا ما نجد امثال ذلك في اقوال الشعراء المفلقين ، وغيرهم من بلغاء الكتاب ، ومصقعى الخطباء ، وتحته دقائق ورموز اذا علمت وقيس عليها اشباهها ونظائرها : كان صاحب الكلام في النظم والنثر ، قد انتهى الى الغاية القصوى : في اختيار الالفاظ ووضعها في مواضعها اللائقة بها.
واعلم : ان تفاوت التفاضل يقع في تركيب الالفاظ اكثر مما يقع في مفرداتها ، لان التركيب أعسر واشق ، ألا ترى الفاظ القرآن الكريم من حيث انفرادها قد استعملتها العرب ومن يعدهم ، ومع ذلك : فانه يفوق جميع كلامهم ، ويعلو عليه ، وليس ذلك الا لفضيلة التركيب ، وهل تشك ـ ايها المتأمل لكتابنا هذا ـ اذا فكرت في قوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ