والمعنى الدال على معنى واحد ، قوله عزوجل : (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) فانه انما كرر نداء قومه هاهنا لزيادة التنبيه لهم ، والايقاظ عن سنة الغفلة ، ولأنهم قومه وعشيرته ، وهم فيما يوبقهم من الضلال ، وهو يعلم وجه خلاصهم ونصيحتهم عليه واجبة فهو يتحزن لهم ويتلطف بهم ، ويستدعي بذلك ان لا يتهموه ، فان سرورهم سروره ، وغمهم غمه ، وان ينزلوا على نصيحته لهم ، وهذا من التكرير الذي هو ابلغ من الايجاز ، واشد موقعا من الاختصار ، فاعرفه ـ ان شاء الله تعالى ـ.
وعلى نحو منه جاء قوله تعالى في سورة القمر : (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) فانه قد تكرر ذلك في السورة كثيرا ، وفائدته : ان يجدروا عند استماع كل نبأ من انباء الأولين اذ كارا وايقاظا ، وان يستأنفوا تنبها واستيقاظا اذا سمعوا الحث على ذلك البعث اليه ، وان تقرع لهم العصا مرات لئلا يغلبهم السهو ، وتستولى عليهم الغفلة.
وهكذا حكم التكرير في قوله تعالى في سورة الرحمن : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) وذلك عند كل نعمة عددها على عباده ، وامثال هذا في القرآن الكريم كثير ، ومما ورد من هذا النوع شعرا قول بعض شعراء الحماسة :
الى معدن العز المأثل والندى |
|
هناك هناك الفضل والخلق الجزل |
فقوله : هناك هناك ، من التكرير الذي هو أبلغ من الايجاز ، لأنه في معرض مدح ، فهو يقرر في نفس السامع ما عند الممدوح من