كي لا يجيء الكلام منشورا ، لا سيما في ان واخواتها ، فاذا وردت ان وكان بين اسمها وخبرها فسحة طويلة من الكلام فاعادة ان احسن في حكم البلاغة والفصاحة ، كالذي تقدم من هذه الآيات ، وعليه ورد قول بعضهم من شعراء الحماسة :
اسجنا وقيدا واشتياقا وغربة |
|
وناى حبيب ان ذا لعظيم |
وان امرءا دامت مواثيق عهده |
|
على مثل هذا انه لكريم |
فانه لما طال الكلام بين اسم ان وخيرها : اعيدت ان مرة ثانية لأن تقدير الكلام : وان امرءا دامت مواثيق عهده على مثل هذا لكريم لكن بين الاسم والخبر مدى طويل ، فاذا لم تعد ان مرة ثانية لم يأت على الكلام بهجة ولا رونق ، وهذا لا يتنبه لاستعماله الا الفصحاء اما طبعا واما علما.
وكذلك يجرى الأمر اذا كان خبر ان عاملا في معمول يطول ذكره فان اعادة الخبر ثانية هو الأحسن ، وعلى هذا جاء قوله تعالى في سورة يوسف (ع) : (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) فلمّا قال : (إِنِّي رَأَيْتُ) ثم طال الفصل ، كان الأحسن ان يعيد لفظ الرؤية فيقول : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) وكذلك جاءت الآية المذكورة هاهنا قبل هذه ، وهي قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) فانه لما طال الفصل : اعاد قوله ، (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) ، فاعلم ذلك وضع يدك عليه ، وكذلك الآية التي قبلها ، وهي قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ) وكذلك الآية الاخرى وهى قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) ومن باب التكرير في اللفظ