ويوم تثنت للوداع وسلمت |
|
بعينين موصولا بلحظهما السحر |
توهمتها ألوى باجفانها الكرى |
|
كرى النوم او مالت باعطافها الخمر |
فان الكرى : هو النوم ، وربما اشكل هذا الموضع على كثير من متعاطى هذه الصناعة ، وظنوه مما لا فائدة فيه ، وليس كذلك ، بل الفائدة فيه : هي التأكيد للمعنى المقصود ، والمبالغة فيه ، اما الآية فالمراد بقوله تعالى : (عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ) اي : عذاب مضاعف من عذاب ، واما بيت ابي تمام : فانه تضمن المبالغة في وصف الممدوح بحمله للأثقال ، واما بيت البحترى : فانه اراد ان يشبه طرفها لفتوره بالنائم ، فكرر المعنى فيه على طريق المضاف والمضاف اليه ، تأكيدا له وزيادة في بيانه ، وهذا الموضع لم ينبه عليه احد سواي ، ولربما ادخل في التكرير من هذا النوع ما ليس منه ، وهو موضع لم ينبه عليه ـ ايضا ـ احد سواى ، فمنه قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) فلما تكرر (إِنَّ رَبَّكَ) مرتين علم ان ذلك ادل على المغفرة ، وكذلك قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ومثل هذا قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) وهذه الآيات يظن انها من باب التكرير وليست كذلك ، وقد انعمت نظرى فيها فرأيتها خارجة عن حكم التكرير ، وذلك : انه اذا اطال الفصل من الكلام وكان اوله يفتقر الى تمام لا يفهم الا به ، فالاولى في باب الفصاحة ان يعاد لفظ الأول مرة ثانية ليكون مقارنا لتمام الفصل ،