قَوْمِ نُوحٍ) وقوله تعالى : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) وكثرة التكرار بالنسبة الى امر واحد ، مثل (قوله : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها)) هذا آخر ما اردنا ايراده في هذا الجزء في حل ما يرمز ويشار اليه.
فلنلحق به كلاما ـ للمثل السائر ، والاتقان ـ وان تقدم شطر منه في طي المباحث المتقدمة بالمناسبة ، فلا بأس في لزوم التكرار ، لأن الكلام في التكرار لكونه كالفذلكة لما تقدم ، وذا فوائد جمة لمن كان من اهل البصيرة الصائبة والايقان ، قال ـ الاتقان ، بعد ما ذكر التأكيد الصناعي ـ : التكرار ابلغ من التأكيد ، وهو من محاسن الفصاحة ، خلافا لبعض من غلط ، وله فوائد : منها : التقرير ، وقد قيل : الكلام اذا تكرر تقرر ، وقد نبه تعالى على السبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والانذار ، بقوله : (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) ومنها : التأكيد ، ومنها : زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول ومنه : (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ* يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) فانه كرر فيه النداء لذلك.
ومنها : اذا طال الكلام وحشى تناسي الأول ، اعيد ثانيا تطرية له ، وتجديدا لعهده ، ومنه : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ ـ الى قوله ـ فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا