بحث التشبيه بقوله : فاذا اطلق نحو المشفر (الذي وضع للشفة الغليظ للابل وقيد به) ، على شفة الانسان ، فان اريد تشبيهها ، اي : شفة الانسان بمشفر الابل في الغلظ ، فهو استعارة ، لأن المجاز اذا كانت علاقته المشابهة يسمى : استعارة ، وان اريد انه ، اي : اطلاق المشفر المقيد بالقيد المذكور ، على شفة الانسان المجرد عن ذلك القيد باعتبار ان هذا الاطلاق : من باب اطلاق المقيد على المطلق ، كاطلاق ـ المرسن ـ الذي وضع للأنف ، الذي هو محل الرسن ، اي : الحبل وهو انف الابل ، على الأنف المطلق المجرد عن قيد : كونه محل الرسن ، وعن قيد كونه للابل ، من غير قصد الى تشبيه هذا الأنف المطلق بذلك المرسن المقيد ، فهذا الاطلاق مجاز مرسل ، اذ المجاز اذا كانت علاقته غير المشابهة ، يسمى : مجازا مرسلا ، انتهى بزيادة وتغيير ما ، للتوضيح.
فالحاصل : انه سلمنا ان الجمود مفهومه المطابقي مقيد بقيد ما ، كالمشفر ، والمرسن ، بحيث ينتقل منه الى بخل العين بالدموع حال ارادة البكاء ، لكنه في البيت تجرد عن القيد ، فاستعمل في مطلق خلو العين من الدمع مجازا ، من استعمال المقيد في المطلق ، (ثم كنى به ،) اي : بالجمود المطلق المجرد عن القيد (عن المسرة) ، التي قصده الشاعر ، (لكونه) اي : الجمود المطلق ، (لازما لها) اي : للمسرة (عادة) ، لأن الانسان الفرح الجزل لا يبكى حينئذ الا نادرا فلازم الفرح والسرور ان تكون العين جامدة ، فلا خلل ولا تعقيد في الانتقال من جمود العين الى ما قصده الشاعر.
(قلنا : هذا) التوجيه المذكور ، اعني : تجريد الجمود عن