يستكشف من استعمال الفصحاء والبلغاء في محاوراتهم ، بحيث كان شايعا عندهم ، فكل لفظ يراد به معنى ولكن لم ينقل استعماله في ذلك المعنى عنهم : فهو ليس بعربى. ولذلك استشكل بعض الاصوليين : في كون الحقايق الشرعية عربية ، مستدلا : بأنه لم ينقل من العرب استعمالها في المعاني الشرعية ، لأنها لم تكن معهودة عندهم ، فكذلك لفظة الجمود فيما نحن فيه ، اذا لم يكن استعماله في السرور معهودا عندهم ، بحيث ينتقل منه اليه ، لم يكن عربيا ، فلا وجه للقول بأنه عربي غير فصيح ، لكونه غير ظاهر الدلالة ، اذ الدلالة على السرور فيه متوقفة على شيوع الاستعمال ، وهو قد انكر اصل الاستعمال فضلا عن شيوعه ، فتدبر واغتنم.
(ان قلت) : فما الفرق بين الجمود المراد منه السرور ، وبين الغريب ، من نحو : شر نبث ، واشمخر ، واقمطر ، ونحوها.
قلت : الفرق بينهما صحة الاستعمال وعدمها ، فان الجمود على ما ادعاه لا يصح استعماله في السرور ، بخلاف الغريب ، فانه يصح استعماله في معناه ، غاية الأمر انه غير ظاهر المعنى ، ولا مأنوس الاستعمال ، ومنه غريب القرآن ، (فان قيل) ـ في تصحيح الانتقال من جمود العين الى ما قصده الشاعر من السرور الحاصل بملاقاة الأصدقاء ومواصلة الاحبة ـ : انه (استعمل الجمود) المقيد ببخل العين حال ارادة البكاء ، (في مطلق خلو العين من الدمع) ، مجردا عن القيد المذكور ، فيكون (مجازا) صحيحا ، (من باب استعمال المقيد في المطلق) المجرد عن القيد. فانه من اقسام المجازات الصحيحة ، التي قد تكون استعارة ، وقد تكون مجازا مرسلا : كما يصرح الشارح في