في العلم ، عليهم صلوات الله اجمعين.
وبنظير ذلك : يجاب عن اللغز ، والمعمى ، والاحجية ، لأنها واضحة عند الفطن العالم بالاصطلاح ، قال في ـ المثل السائر ـ : ان اللغز والمعمى والاحجية ، يتنوع انواعا ، فمنه المصحف ، ومنه المعكوس ومنه ما ينقل الى لغة من اللغات غير العربية ، كقول القائل : اسمي اذا صحفته بالفارسية آخر ، وهذا اسمه اسم تركي ، وهو دنكر بالدال المهملة. والنون ـ وآخر بالفارسية : ديكر ـ بالدال المهملة ، والياء المعجمة بثنتين من تحت ـ واذا صحفت هذه الكلمة ، صارت دنكر ـ بالنون ـ فانقلبت الياء : نونا بالتصحيف ، وهذا غير مفهوم الا لبعض الناس دون بعض ، وانما وضع واستعمل : لأنه مما يشحذ القريحة ، ويحد الخاطر ، لانه يشتمل على معان دقيقة ، يحتاج في استخراجها الى توقد الذهن ، والسلوك في معاريج خفية من الفكر ، وقد استعمله العرب في اشعارهم قليلا ، ثم جاء المحدثون فاكثروا منه ، وربما اتى منه بما يكون حسنا ، وعليه مسحة من البلاغة ، وذلك عندى بين بين ، فلا اعده من الأحاجي ، ولا اعده من فصيح الكلام ، فمما جاء منه قول بعضهم :
قد سقيت ابالهم بالنار |
|
والنار قد تشفى من الاوار |
ومعنى ذلك : ان هؤلاء القوم الذين هم اصحاب الابل ، ذوو وجاهة وتقدم ، ولهم وسم معلوم ، فلما وردت ابلهم الماء : عرفت الوسم ، فافرج لها الناس حتى شربت وقد اتفق له انه اتى في هذا البيت بالشيء وضده ، وجعل احدهما سببا للآخر ، فصار غريبا عجيبا وذاك : انه قال : سقيت بالنار ، وقال : ان النار تشفى من الأوار