من الألفاظ كذا وكذا ، فهذا دليل : على انه حسن ، بل ينبغي ان تعلم : ان الذي نستحسنه نحن في زماننا هذا ، هو الذي كان عند العرب مستحسنا ، والذي نستقبحه هو الذي كان عندهم مستقبحا ، والاستعمال ليس بدليل على الحسن ، فانا نحن نستعمل الآن من الكلام ما ليس بحسن ، وانما نستعمله لضرورة ، فليس استعمال الحسن بممكن في كل الأحوال ، وهذا طريق يضل فيه غير العارف بمسالكه ، ومن لم يعرف صناعة النظم والنثر ، وما يجده صاحبها من الكلفة في صوغ الألفاظ واختيارها : فانه معذور في ان يقول ما قال :
لا يعرف الشوق الا من يكابده |
|
ولا الصبابة الا من يعانيها |
ومع هذا : فان قول القائل : بان العرب كانت تستعمل من الألفاظ كذا وكذا ، وهذا دليل على انه حسن ، قول فاسد ، لا يصدر الا عن جاهل ، فان استحسان الألفاظ واستقباحها ، لا يؤخذ بالتقليد من العرب ، لأنه شيء ليس فيه للتقليد مجال ، وانما هو شيء له خصائص وهيآت وعلامات ، اذا وجدت علم حسنه من قبحه ، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب الفصاحة والبلاغة ، واما الذي نقلد العرب فيه من الألفاظ : فانما هو الاستشهاد بأشعارها على ما ينقل من لغتها ، والأخذ باقوالها في الأوضاع النحوية : في رفع الفاعل ، ونصب المفعول ، وجر المضاف اليه ، وجزم الشرط ، واشباه ذلك ، وما عداه فلا ، وحسن الألفاظ وقبحها : ليس اضافيا الى زيد دون عمرو ، او الى عمرو دون زيد ، لأنه وصف ذووى لا يتغير بالاضافة ، الا ترى : ان لفظة : المزنة ـ مثلا ـ حسنة عند الناس كافة ، من العرب وغيرهم ، وهلم جرا ، لا يختلف احد في حسنها ، وكذلك لفظة : البعاق ، فانها قبيحة عند