اتركوا الجاهل بجهله ، ولو القى الجعر في رحله.
وما مثاله في هذا المقام : الا كمن يسوى بين صورة زنجية سوداء مظلمة السواد ، شوهاء الخلق ، ذات عين محمرة ، وشفة غليظة ، كأنها كلوة ، وشعر قطط ، كأنه زبيبة ، وبين صورة رومية ، بيضاء ، مشربة بحمرة ، ذات خد اسيل. وطرف كحيل ، ومبسم كأنما نظم من اقاح وطرة كأنها ليل على صباح ، فاذا كان بانسان من سقم النظر ، ان يسوى بين هذه الصورة وهذه ، فلا يبعد ان يكون به من سقم الفكر ان يسوى بين هذه الألفاظ وهذه ، ولا فرق بين النظر والسمع في هذا المقام ، فان هذا حاسة ، وهذا حاسة ، وقياس حاسة على حاسة مناسب فان عاند معاند في هذا ، وقال : اغراض الناس مختلفة فيما يختارونه من هذه الأشياء ، وقد يعشق الانسان صورة الزنجية التى ذممتها ، ويفضلها على صورة الرومية التي وصفتها.
قلت في الجواب : نحن لا نحكم على الشاذ النادر ، الخارج عن الاعتدال ، بل نحكم على الكثير الغالب.
وكذلك : اذا رأينا شخصا يحب أكل الفحم مثلا ، او اكل الجص والتراب ، ويختار ذلك على ملاذ الأطعمة ، فهل نستجيد هذه الشهوة او نحكم عليه بأنه مريض قد فسدت معدته ، وهو محتاج الى علاج ومداواة ، ومن له ادنى بصيرة : يعلم ان للالفاظ في الادن نغمة لذيذة كنغمة اوتار ، وصوتا منكرا كصوت حمار ، وان لها في الغم ايضا حلاوة كحلاوة العسل ، ومرارة كمرارة الحنظل ، وهي على ذلك تجري مجرى النغمات والطعوم ، ولا يسبق وهمك ايها المتأمل الى قول القائل الذي غلب عليه غلظ الطبع ، وفجاجة الذهن : بان العرب اكانت تستعمل