ولا تقتضى حكمة هذه اللغة الشريفة ، التي هي سيدة اللغات ، الا ذلك.
ولذا : اسقط الواضع حروفا كثيرة ، في تأليف بعضها مع بعض استثقالا واستكراها ، فلم يؤلف بين حروف الحلق ـ كالحاء ، والخاء والعين ـ وكذلك : لم يؤلف بين ـ الجيم ، والقاف ـ ولا بين ـ اللام ، والراء ـ ولا بين ـ الزاء ـ و ـ السين ـ.
وكل هذا دليل : على عنايته بتأليف المتباعد المخارج ، دون المتقارب.
ومن العجب : انه كان يخل بمثل هذا الأصل الكلي في تحسين اللغة ، وقد اعتنى بامور اخرى جزئية ، كمماثلته بين حركات الفعل في الوجود ، وبين حركات المصدر في النطق ، كالغليان ، والضربان ، والنقدان ، والنزوان ، وغير ذلك : مما جرى مجراه ، فان حروفه جميعها متحركات ، وليس فيها حرف ساكن ، وهي مماثلة لحركات الفعل (اللغوي) في الوجود.
ومن نظر في حكمة وضع هذه اللغة : الى هذه الدقائق ، التي هي كالأطراف والحواشى ، فكيف كان يخل بالأصل ، المعول عليه في تأليف الحروف بعضها الى بعض.
على انه لو اراد الناظم او الناثر : ان يعتبر مخارج الحروف عند استعمال الألفاظ ، وهل هي متباعدة او متقاربة ، لطال الخطب في ذلك وعسر ، ولما كان الشاعر ينظم قصيدا ، ولا الكاتب ينشىء كتابا ، الا في مدة طويلة ، تمضي عليها ايام وليالى ذوات عدد كثير.
ونحن نرى الأمر : بخلاف ذلك ، فان حاسة السمع ، هي الحاكمة في هذا المقام : بحسن ما يحسن من الألفاظ ، وقبح ما يقبح.
وسأضرب لك في هذا ـ مثالا ـ فاقول : اذا سئلت عن لفظة من