الألفاظ ، وقيل لك ما تقول في هذه اللفظة؟ احسنة هي ، ام قبيحة؟
فاني لا اراك ـ عند ذلك ـ الا تفتي : بحسنها ، او قبحها ، على الفور.
ولو كنت لا نفتي بذلك ، حتى تقول للسائل : اصبر الى ان اعتبر مخارج حروفها ، ثم افتيك بعد ذلك : بما فيها من حسن ، او قبح : لصح ـ لابن سنان ـ ما ذهب اليه : من جعل مخارج الحروف المتباعدة ، شرطا في اختيار الألفاظ ، وانما شذ عنه الأصل في ذلك ، وهو : ان الحسن من الألفاظ ، يكون متباعد المخارج.
فحسن الألفاظ اذن : ليس معلوما من تباعد المخرج ، وانما علم قبل العلم بتباعدها ، وكل هذا راجع الى حاسة السمع.
فاذا استحسنت لفظا ، او استقبحته ، وجدت ما تستحسنه متباعد المخارج وما تستقبحه متقارب المخارج ، واستحسانها واستقباحها : انما هو قبل اعتبار المخارج ، لا بعده.
على ان هذه : قاعدة ، قد شذ عنها شواذ كثيرة ، لأنه قد يحيء في المتقارب المخارج ، ما هو حسن رائق.
الا ترى : ان ـ للجيم ، و ـ الشين ـ و ـ الياء ـ مخارج متقاربة وهي من وسط اللسان ، بينه وبين الحنك ، وتسمى ـ ثلاثتها ـ : «الشجرة» واذا تركب منها شيء من الألفاظ ، جاء حسنا رائقا.
فان قيل : «جيش» كانت لفظة محمودة ، او قدمت ـ الشين ـ على ـ الجيم ـ فقيل : «شجى» كانت ـ ايضا ـ لفظة محمودة.
ومما هو اقرب مخرجا من ذلك : ـ الباء ، والميم ، والفاء ـ وثلاثتها من الشفة ، وتسمى : «شفهية» فاذا نظم منها شيء من الألفاظ ، كان جميلا حسنا.