يصيب المعاني الشريفة ، ويوصلها للقارىء بسرعة ، ولكن ليس في عباراته ، فخامة وجزالة ، وكم من كاتب يريك بألفاظه التي يربط بعضها ببعض ، ويسردها تباعا ، صولة بشدتها ، وفخامتها ، ولكنها رعد من غير مطر.
وقد لا تجد في كتاب هذا شأنه من ناحية لفظه ، الا معاني يسيرة جدا ، لا قيمة لها في مثل هذا السفر العريض الطويل.
وما اورده ابو هلال ، ناقضا على من يريد التفكيك بين البلاغة والفصاحة ، بقوله : وأراد رجل ان يسأل بعض الأعراب عن اهله ، فقال : كيف اهلك؟ ـ بالكسر ـ.
كيف اهلك؟ ـ بالكسر ـ.
فقال له الأعرابي : صلبا.
اذ لم يشك انه انما يسأله : عن السبب الذي يهلك به.
وقال الوليد بن عبد الملك ـ لأعرابي شكا اليه ختنا له ـ فقال : من ختنك؟ ففتح النون.
فقال : معذر في الحي.
اذ لم يشك في انه : انما يسأله عن خاتنه ، فبارد جدا.
لأن الرجل نفسه ، يعترف ان السائل والوليد جميعا ، لم يفهما مخاطبهما ما أرادا.
ومن شرط البلاغة قبل كل شيء : ايصال المعنى وافهامه ، فأين هذا من توقف البلاغة على الفصاحة؟
وكثير من الناس ، يعتبر الفصاحة والبلاغة : في قعقعة الألفاظ وسرعة جرى المتكلم بها ، من غير توقف ، وطول المقام بها في حال ان هذا اللون ، مما لا ربط له بالبلاغة ، عند نقدة الأدب والكلام. انتهى.