فاما الفصاحة ، فقد قال قوم : انها من قولهم : افصح فلان عما في نفسه ، اذا اظهره ، والشاهد على انها هى الاظهار : قول العرب : افصح الصبح ، اذا اضاء ، وافصح اللبن : اذا انجلت عنه رغوته فظهر.
وقال بعض علمائنا : الفصاحة تمام آلة البيان ، والدليل على ذلك : ان الألثغ ، والتمقام ، لا يسميان فصيحين ، لنقصان آلتهما ، عن اقامة الحروف.
وقيل : زياد الأعجم ، لنقصان آلة نطقه عن اقامة الحروف ، وكان يعبر عن الحمار ـ بالهمار ـ فهو أعجم ، وشعره فصيح ، لتمام بيانه ، وقال ـ ايضا ـ : البلاغة : كل ما تبلغ به المعنى قلب السامع ، فتمكنه في نفسه لتمكنه في نفسك ، مع صورة مقبولة ، ومعرض حسن.
وانما جعلنا حسن المعرض وقبول الصورة ، شرطا في البلاغة ، لأن الكلام اذا كانت عبارته رثة ، ومعرضه خلقا ، لم يسم بليغا ، وان كان مفهوم المعنى ، مكشوف المغزى.
ثم قال المتوهم المذكور : اقول : ما ذكره أبو هلال من معنى الفصاحة والبلاغة لغة ، ومن كونها وصفا للمتكلم باعتبار المتعلق ، ومن كون نقصان الآلة مخلا بفصاحة ذات المتكلم ، فحق ، لامرية فيه ولا مماراة.
واما كون البلاغة ، كل ما تبلغ به المعنى قلب السامع ، فتمكنه في نفسه لتمكنه في نفسك ، مع صورة مقبولة ، ومعرض حسن.
ففيه نظر ، فان وصف الادباء للمعنى : بالبلاغة ، واللفظ : بالفصاحة في نوع استعمالاتهم ، يشعر بأن البلاغة : اصابة المعاني الشريفة وافهامها بوضوح ، وان فصاحة اللفظ : فخامته وجزالته.
والحق : هو هذا ، لا غيره ، فكم رأينا في الكتاب والمؤلفين من