والعجب من المتوهم ، كيف غفل : عما يأتي من تعريف البلاغة في المتكلم : بانها ملكة يقتدر بها : على تأليف كلام بليغ؟!
ومن المعلوم الضروري ـ عند اهل الاصطلاح ـ : ان من قام به ملكة ، او مبدأ من المبادىء وان لم يكن ملكة ، يجب ان يشتق له من ذلك المبدأ : وصف يوصف به الحقيقة ، كالخياط ، والجمال ، ونحوهما واظهر من ذلك : ما يأتي من ـ المفتاح ـ : من ان البلاغة ، اي : بلاغة المتكلم ، هي : بلوغ المتكلم ، في تأدية المعاني حدا : له اختصاص بتوفية خواص التركيب حقها ، وايراد انواع التشبيه ، والمجاز ، والكناية على وجهها.
وقد صرح الشارح في ـ المختصر ـ : بأن اطلاق لفظ البليغ على الكلام والمتكلم : اما لكونه من باب المشترك اللفظي ، واما من باب المتواطىء.
وايا ما كان : فهو حقيقة في المتكلم ، والصفة بحاله ، غاية الأمر : انه نفس الموضوع له : على الأول ، وفرده : على الثاني.
ولعمري ، هذا واضح لاخفاء فيه ، فلا وجه لترك جميع ذلك ، لما صدر عن ابي هلال العسكري ـ على ما حكاه المتوهم ـ وهذا نصه : قال ابو هلال العسكري : البلاغة ـ من قولهم ـ : بلغت الغاية ، اذا انتهيت اليها وبلغتها غيري ، فسميت البلاغة : لأنها تنهى المعنى ، الى قلب السامع فيفهمه.
والبلاغة من صفة الكلام ، لا من صفة المتكلم ، وتسميتنا المتكلم : بأنه بليغ ، توسع ، وحقيقته : ان كلامه بليغ ، كما تقول : فلان رجل محكم ، وتعني : ان افعاله محكمة.