فليس معنى الكتابة : ما يفهمه العامة ، وأشار اليه في أدب الكاتب بقوله : وغاية كاتبنا : ان يكون حسن الخط ، قويم الحروف واعلى منازل اديبنا : ان يقول من الشعر ابياتا ، في وصف كاس ، او مدح قينة ، او مقبول عند العامة ، غير مستحق ذلك المدح ، فيقبله العامة ، اذ احسن الشعر عندهم اكذبه ، وذلك المسكين غافل : عن ان الشعراء يتبعهم الغاوون ، واما العقلاء فقد قالوا :
الشعر صعب وطويل سلمه |
|
اذا ارتقى به الذي لا يعلمه |
زلت به الى الحضيض قدمه |
|
يريد ان يعربه فيعجمه |
الركن الثاني من الأركان التي لا بد من ايداعها في كل كتاب بلاغي ذي شان : ان يكون الدعاء المودع في صدر الكتاب ، مشتقا من المعنى الذي بنى عليه الكتاب ، وهذا يشبه حسن الابتداء.
الركن الثالث : ان يكون خروج الكاتب من معنى الى معنى : برابطة ، ليكون رقاب المعانى آخذة بعضها ببعض ، ولا تكون مقتضبة وقد تقدم الكلام فيه آنفا مستوفى.
الركن الرابع : ان تكون ألفاظ الكتاب : غير مخلوقة بكثرة الاستعمال ، وليس المراد بذلك : ان تكون الألفاظ غريبة ، فان ذلك عيب فاحش ، ومخل بالفصاحة ، كما يأتي عن قريب.
بل المراد : ان تكون الألفاظ مسبوكة سبكا غريبا ، بحيث يظن السامع : انها غير ما في أيدي الناس ، وهي : مما في ايدي الناس ، وهناك : معترك الفصاحة ، التي تظهر فيه الخواطر براعتها ، والأقلام شجاعتها ، كما قيل :
باللفظ يقرب فهمه في بعده |
|
عنا ويبعد نيله في قربه |