يصح الفصل بأحد شبهى الجملة ؛ لأنهما محل التوسع والتيسير. أمّا إن كان التمييز مجرورا ب «من» الظاهرة فيجوز الفصل بالجملة أو بغيرها. وكذا إن كان التمييز منصوبا. لكن يجب جر هذا التمييز بمن (١) بدلا من نصبه إن كان الفاصل بينهما فعلا متعديا لم يستوف مفعوله ؛ لكيلا يقع فى الوهم أن هذا التمييز المنصوب ليس بتمييز ، وأنه مفعول به للفعل المتعدى ، فلإزالة الوهم واللبس يجب جره بمن ، نحو : كم ترى من عصفور على الشجرة؟ وكم تشاهد من صياد يحوم حولها؟ وقول الشاعر :
وكم ـ سقت فى آثاركم ـ من نصيحة |
|
وقد يستفيد الظنّة (٢) المتنصّح (٣) |
٦ ـ تمييز «كم» الاستفهامية (٤) فى كل أحواله يصح حذفه إن دل عليه دليل ، ولم يترتب على حذفه لبس (٥) ...
* * *
(ب) كم الخبرية : هى أداة للإخبار عن معدود كثير ، ولكنه مجهول الجنس والكمية (٦). ومن أمثلتها قولهم : (كم صالح بفساد آخر قد فسد). وما جاء فى عتاب صديق لصديقه : «إنى أحفظ ودّك ، وأرعى عهدك ، وأرسم طريقى على الوفاء لك ،
__________________
(١) انظر رقم ١ من هامش ص ٥٣٤.
(٢) الاتهام والتجريح.
(٣) المبالغ فى النصيحة لمن لا يعمل بها.
(٤) وهو فى كل أحواله أيضا نوع من تمييز الذات (لا النسبة) الذى سبق إيضاحه وتفصيله فى ج ٢ م ٨٨ باب : «التمييز». ومراعاة هذا التمييز فيما يحتاج للمطابقة أوضح من مراعاة لفظ «كم».
وفيما سبق من أحوال «كم الاستفهامية» يقول ابن مالك فى باب عنوانه : (كم ، وكأين ، وكذا) ... ما نصه :
ميّز فى الاستفهام «كم» بمثل ما |
|
ميّزت عشرين ؛ ككم شخصا سما؟ |
وأجز أن تجرّه «من» مضمرا |
|
إن وليت «كم» حرف جرّ مظهرا |
والأصل : أجز ، أن. حذفت الهمزة للشعر ، وانتقلت حركتها إلى الزاى الساكنة قبلها. «مضمرا» ، أى : مضمرة. وجعلها مذكرة على نية الحرف : من ، غير مريد : الكلمة «من») يريد : أنه يصح جر التمييز «بمن» المضمرة جوازا إن وقعت «كم» بعد حرف جر ظاهر.
(٥) الكمية : المقدار الحسابى ، أى : ما يدل عليه العدد من أفراد. ـ وما سبق فى ص ٥٢٨ عن هذين فى «كم الاستفهامية» يزيد الأمر وضوحا هنا. ـ