ثانيتهما : أن يكون التابع نعتا ، والمنعوت ـ المنادى ـ اسم إشارة للمذكر ، أو للمؤنث ؛ جىء به للتوصل إلى نداء المبدوء «بأل» (١) ؛ لأن المبدوء بها لا يجوز مناداته بغير واسطة ، إلا فى بعض مواضع سبقت (٢) ـ نحو : يا هذا السائح ، لا تتعجل فى حكمك ، ويا هذه السائحة لا تتعجلى ... فالمنادى مبنى على ضم مقدر فى محل نصب ؛ فيجب رفع النعت فى المثالين وأشباههما ، رفعا صوريّا ؛ لا يوصف بإعراب ، ولا بناء ـ كما سبق ـ وإنما هو رفع جىء به مراعاة شكلية للضم المقدر فى اسم الإشارة المنعوت ـ المنادى ـ ولا يصح النصب ؛ لأن النعت هنا بمنزلة المنادى المفرد المقصود ، لا يصح نصب لفظه نصبا مباشرا.
__________________
ـ لكن الصبان قال بعد ذلك كلاما قويا موافقا للضوابط والأصول العامة يعترض على ما سبق ونصه :
(أنا أقول يرد عليه أن تابع ذى محل ، له محل متبوعه. وحينئذ ينبغى أن يكون محل تابع «أىّ» نصبا ، وأن يصح نصب نعته. ويؤيده ما قدمناه ـ قريبا قبل ذلك بصفحتين ـ عن الدمامينى فى : «يا زيد الظريف صاحب عمرو» أنه قدر : «صاحب عمرو» نعتا للظريف ، لفظ به كما يلفظ النعت ؛ إن رفعا فرفع ، وإن نصبا فنصب ، على ما بيناه سابقا. اللهم إلا أن يكون منع نصب نعت تابع «أىّ» لعدم سماعه أصلا.
«نعم يصح ما بحثه من أنه ليس لتابع «أى» محل نصب ، ولا يجوز نصب نعته على اعتبار أن رفع التابع هو رفع إعراب ، وأن عامله فعل مقدر مبنى للمجهول ، والتقدير : «يدعى العاقل» كما مر. لكن ما بعد «أى» على هذا التقدير ليس تابعا لأى فى الحقيقة ، فلا يظهر حمل كلامه على هذا مع قوله : إنه تابع له. فتأمل). ا ه
فالصبان يرى أن تابع «أىّ» لابد أن يكون منصوبا محلا مثل المتبوع «أى» (لأن كلمة «أىّ» مبنية على الضم فى محل نصب) والشأن فى التابع ـ دائما ـ أن يكون له محل كمحل المتبوع. وهذا كلام صحيح قوى لا يعترض الأخذ به إلا عدم ورود السماع به ، وللسماع الأهمية الأولى فى انتزاع حكم لا يعتوره عيب أو ضعف .. من أجل ذلك كان الاقتصار على رأى الأشمونى ـ ومن وافقه ـ أنسب ؛ مبالغة فى الاحتياط ؛ لأنه رأى متفق عليه ، إذ لا يعترض عليه الصبان ـ أو غيره ـ وإنما يرى الصبان أن يزيد عليه إباحة النصب المحلى ، وهذه الإباحة قد أضعفها عدم ورود السماع بها.
(١) وفى هذا يقول ابن مالك بيتا ألمحنا له فى ص ٤٣ :
وذو إشارة كأىّ فى الصفه |
|
إن كان تركها يفيت المعرفه |
(ذو إشارة : المنادى الذى هو إشارة). يريد : أن المنادى إذا كان اسم إشارة فإنه يحتاج ـ كأى ـ إلى نعت معرفة مرفوعة مقرونة «بأل» من اسم جنس ، أو اسم موصول. ولا يصح هنا أن يكون نعته اسم إشارة مثله. وبين أن حاجة اسم الإشارة للنعت واجبة إن أدى ترك النعت إلى عدم معرفة المشار إليه. أما إذا لم يؤد لذلك فالنعت ليس واجبة.
(٢) فى ص ٣٥.