المسألة ١٥٠ :
حكم المضارع إذا لم توجد قبله «فاء السببية»
عرفنا (١) أن «فاء السببية» تخالف : «واو المعية» فى أمور ؛ منها : أن فاء السببية قد تسقط من الكلام جوازا ؛ فلا يصح نصب المضارع بعدها ، وإنما يصح جزمه إن استقام المعنى المراد على الجزم. ومعنى سقوطها ؛ غيابها واختفاؤها عن موضعها ، وخلو مكانها منها ؛ سواء أوجدت أوّلا ثم سقطت ؛ أم لم توجد من أول الأمر ، فالمقصود أن الجملة خالية منها ؛ ففى مثل : (خذ من الحضارة باللباب الحميد فتسعد ، وتجنّب الزائف البراق فتسلم) ـ يصح أن يقال : (خذ من الحضارة باللباب الحميد تسعد ، وتجنب الزائف البراق تسلم). بجزم المضارعين : «تسعد ، وتسلم» ، بعد سقوط فاء السببية ، وقد كانا منصوبين عند وجودها. ويشترط لجزم المضارع بعد سقوطها ـ على الوجه السالف ـ ثلاثة شروط مجتمعة :
أولها : أن تكون مسبوقة بنوع من أنواع الطلب المحض أو ملحقاته ـ لا بنوع من النفى وملحقاته ـ وقد عرفنا أنواع الطلب الثمانية (٢) (وهى : الأمر ـ النهى ـ الدعاء ـ التمنى (٣) ـ الترجى ـ العرض ـ التحضيض ـ الاستفهام).
ثانيها : أن تكون الجملة المضارعية بعدها جوابا (٤) وجزاء للطلب الذى قبلها ، (أى : مسببة عنه ؛ كتسبب جزاء الشرط على فعل الشرط).
ثالثها : أن يستقيم المعنى بحذف «لا» الناهية ووضع «إن» الشرطية وبعدها «لا» (٥) النافية محل «لا» الناهية التى حذفت ، وحل محلها الحرفان قبل المضارع
__________________
(١) فى ص ٣٦١ «الأمر الخامس».
(٢) سبق تفصيل الكلام عليها فى ص ٣٤٤.
(٣) ينحصر التمنى هنا فى النوع الأصيل ، وهو الذى أداته : «ليت» ، دون الأنواع الأخرى المحمولة عليه بأدواتها العارضة فى معناه ، منها «لو» و «ألا» وقد سبق إيضاحهما فى رقم ٧ من ص ٣٤٨ لأن الجزم غير مسموع بعد التمنى العارض ، وأدواته الطارئة فى معناه. (انظر ما يتصل بهذا فى ص ٣٤٨ وفى رقم ٣ من هامش ص ٣٧١).
(٤) سبق شرح الجواب والجزاء فى ص ٢٩٠.
(٥) لأن أداة الشرط لا تدخل على «لا» الناهية. (انظر «ا» من ص ٣٧٦).