الحال هذه من قرينة تدل على الحكاية.
والثانية : وهى صورة أقل استعمالا من الأولى. ويراد بها حكاية الحالة المستقبلة التى لم تقع بعد ، والتعبير عنها بما يدل على أنها تقع الساعة ، وتحصل الآن (أى : وقت الكلام) مع أنها لم تقع ولم تتحقق قبل الكلام ، ولا فى أثنائه ، والغرض منها : إفادة القطع بمجيئها ، وأنها آتية لا محالة ، فهى بمنزلة ما وقع وتحقق ، أو يقع ويتحقق فى أثناء الكلام. ولا بد فى هذه الحكاية من قرينة تدل عليها. ومن أمثلتها قول أحدهم : (ويل للمشرك يوم القيامة ، إنى أراه الآن يتلفت حتى يجد الشفيع ولا شفيع يومئذ ، وأسمعه يصرخ حتى يسمع النصير ، ولا نصير.)
الشرط الثانى : أن يكون ما بعد «حتى» مسببا عما قبلها ؛ كالأمثلة السالفة ـ ليقع الربط بين ما قبلها وما بعدها (١) ـ فإن لم يكن مسببا عما قبلها لم يصح رفع المضارع ، ووجب اعتبارها جارة ينصب بعدها «بأن» مضمرة ؛ وجوبا ـ نحو : (يقضى هؤلاء الزراع نهارهم فى العمل حتى تغرب الشمس). فغروب الشمس ليس مسببا عن قضاء النهار فى العمل ، فيجب نصب المضارع : «تغرب» ، ولا يجوز رفعه ... ؛ ونحو : (يحرص هذا البخيل على ماله حتى يموت) ، فالموت ليس مسببا عن البخل ؛ ولهذا يجب نصب المضارع ...
الشرط الثالث : أن يكون ما بعد «حتى» فضلة (أى : تمّ الكلام قبله من الناحية الإعرابية كالأمثلة المتقدمة) لا جزءا أساسيّا فى جملة لا تستغنى عنه فى
__________________
ـ السالفين المثال الآتى يقوله أحدنا اليوم :
دعا الرسول عليه السّلام قومه إلى طاعة ربه ، وإلى ترك المرذول من عادات الجاهلية ، فبذل الجهد فى هذا السبيل ، واحتمل الأذى من قومه ، وصبر على ما لقيه من العنت والاضطهاد ..
فهذه قصة وقع معناها ، وتحقق فعلا قبلى النطق هنا ؛ فالتعبير عنها بالفعل الماضى هو المناسب لها. لكن المتكلم قد يعدل عنه إلى التعبير بالمضارع ؛ لسبب بلاغى ومعنوى كما أشرنا ـ فيقول : (وهو يتخيل أن الزمن تقدم به إلى عصر النبى ، فهو يشاهدها فيه ، أو أنها تأخرت إلى عصره فهو يشاهدها كذلك ، وفى الحالتين يكون زمن مشاهدتها والتكلم بها واحدا ، هو : الزمن الحالى) : إن رسولنا يدعو قومه ... ويبذل الجهد ... ويحتمل الأذى ... ويصبر ....
(١) وهذا الربط معنوى بين الجملتين يقوم على أساس السببية والمسببة ؛ لعدم وجود رابط لفظى بينهما. أما فى حالة نصب المضارع فإن الربط اللفظى موجود ؛ وهو تعلق الجار والمجرور (أى حتى وما دخلت عليه) بالعامل قبلها.