زيادة وتفصيل :
(ا) تضمنت المراجع المطولة جدلا يصدّع الرأس فى تقدير عامل النصب المحذوف فى التحذير ـ ولا سيما ناصب الضمير «إياك وفروعه». أهو الفعل : أحذّر ، أم باعد ، أم اجتنب ، أم احذر ...؟ أينصب مباشرة أم لا ينصب إلا على تأويل آخر ... و ... والأمر لا يحتاج لكل. هذا وخير ما يقال فى شأن المحذوف هو ما سجله بعض المحققين ، ونصّه : (الحق أن يقال : لا يقتصر على تقدير : «باعد» ، ولا على تقدير : «احذر» ؛ بل الواجب تقدير ما يؤدى الغرض ؛ إذ المقدر ليس أمرا متعبّدا به لا يعدل عنه) (١).
وهذا رأى نفيس ، صادق ، يجب اتخاذه دستورا عند تقدير المحذوف فى التحذير ، وفى الإغراء ، وفى غيرهما من كل ما يحتاج إلى تقدير.
(ب) يقول بعض النحاة إن الضمير «إياك» وفروعه منصوب بفعل محذوف مع فاعله ، وأن فاعله الضمير عاد فاستتر فى الضمير «إياك» وصار «إياك» مغنيا عن التلفظ بالفعل المحذوف ، فإذا قلت : «إياك» فعندنا ضميران :
أحدهما : هذا البارز المنفصل المنصوب ، وهو : «إياك».
والآخر : ضمير رفع ، مستكن فيه ، منتقل إليه من الفعل الناصب له. ويترتب على هذا أنك إذا أكدت : «إياك» توكيدا معنويّا بالنفس ، أو بالعين ، قلت : إياك نفسك ، أو إياك أنت نفسك ، بفصل أو بغير فصل ؛ طبقا لقواعد التوكيد المعنوى بالنفس والعين. أما إذا أكدت ضمير الرفع المستكن فيه فإنك تقول مراعاة لتلك القواعد : إياك أنت نفسك ، بالفصل بالضمير المرفوع المنفصل ، دون ترك الفاصل. ومثل هذا يراعى عند العطف ؛ على الضمير المنصوب «إياك» : فتقول إياك والصديق ، والسفهاء. أو إياك أنت والصديق ، والسفهاء ؛ بفصل أو بغير فصل ، ومن الأول الذى لا فصل فيه قولهم (٢) : (إيّاكم والكبر ،
__________________
(١) راجع حاشية الصبان ح ٣ أول باب : «التحذير».
(٢) ما يأتى بعض وصية طويلة لعبد الحميد الكاتب ينصح فيها الكتاب (وهم : الأدباء) ويوضح آداب الكتابة بعد أن صار زعيم الكتاب فى عصره ، والكاتب الخاص لمروان بن محمد ، آخر خلفاء الأمويين. وقد قتل عبد الحميد سنة ١٣٢ ه وهى السنة التى قامت فيها الدولة العباسية بعد أن أبادت الدولة الأموية.