أحد مثله فى الولاية وهو من جملة متأخرى بخارى وكان زاهدا وعالما أيضا وقد صارت بخارى بسببه قبة الإسلام (١). والسبب هو أن أهل بخارى تعلموا وفشا فيها العلم وصاروا أئمة وعلماء محترمين وكان هو السبب. وقد بلغ ابنه أبو عبد الله من العلم بحيث إنه حين كانت القافلة تعود من الحج ، كان علماؤها يجيئون إلى الإمام أبى حفص ويسألونه فكان يقول لهم : إنكم آتون من العراق فلم لم تسألوا علماء العراق؟ فكان أحدهم يقول : لقد ناظرت علماء العراق فى هذه المسألة فلم يستطيعوا الجواب وقالوا لى : حين تصل إلى بخارى سل السيد الإمام أبا حفص البخارى أو أحد أبنائه عنها ، وعندئذ كان (أى الإمام أبو حفص) يجيب عن هذه المسألة بالجواب الصائب. وكان السيد أبو حفص يختم القرآن مرتين كل يوم وليلة مع أنه كان يعلم الناس العلم. ولما ضعف وهرم كان يختم القرآن مرة ، ولما ازداد ضعفا كان يقرأ نصف القرآن حتى رحل عن الدنيا ـ تغمده الله بالرحمة والرضوان.
حكاية : حكى أن يحيى بن نصر قال : كنت عند السيد أبى حفص وكان قد صلى الفجر وجلس ووجهه إلى القبلة وهو يقرأ شيئا ، فلما طلعت الشمس فنظر ، لم يكن القوم قد حضروا ليعلمهم ، فنهض وصلى أربع ركعات قرأ فيها سورة البقرة وآل عمران وسورة النساء وسورة المائدة ولما سلم لم يكن القوم قد حضروا بعد ، فنهض وصلى اثنتى عشرة ركعة وقرأ حتى سورة الرعد.
وقد روى محمد بن طالوت الهمدانى عن الفضل الخطاب أنه كان فى بخارى أمير اسمه محمد بن طالوت ، قال يوما لوزيره «خشويه» يجب أن نذهب لزيارة السيد أبى حفص وندركه ، وكان خشويه هذا من عظماء بخارى ومحتشما (٢) فقال خشويه : لا ينبغى لك أن تذهب إليه ، إذ حينما تذهب إليه لا تستطيع الكلام أمامه لهيبته ، فقال لا بد أن أذهب. فذهب مع الوزير إلى السيد أبى حفص وكان يصلى فى المسجد ، فلما سلم بعد صلاة الظهر دخل الوزير وقال لقد جاء الأمير فهل تأذن له بالدخول؟ فقال : نعم. وكان جالسا ووجهه إلى القبلة ، ودخل الأمير وسلم
__________________
(١) كانت بخارى تلقب بقبة الإسلام.
(٢) معناها هنا رجل ذو مركز اجتماعى ومنزلة كبيرة فى قومه.