وافت ليلة «سورى» (١) فأوقدوا نارا عظيمة جريا على العادة القديمة فطارت شرارة واشتعل سقف السراى واحترقت كلها مرة أخرى ، وذهب الأمير السديد أيضا فى الليل إلى جوى موليان ، وأمر الوزير كذلك فأخرج الخزائن والدفائن كلها فى تلك الليلة وأرسلها إلى جوى موليان على يد الثقات. فلما طلع النهار تبينوا أنه لم يغب شىء سوى فنجان (٢) من الذهب ، فأمر وزيره بفنجان من خالص ماله كان وزنه سبعمائة مثقال وأرسله إلى الخزانة ، ومنذ ذلك الحين بقى ذلك الموضع صحراء وتخرب ، ومن ثم صارت سراى الملوك فى جوى موليان. ولم يكن فى بخارى موضع أو منزل أفضل من مقام جوى موليان النفيس الشبيه بالجنة ، لأن كل أماكنه قصور وحدائق وخمائل وبساتين وأمواه جارية على الدوام تتلوى فى مروجه ، وكانت تتخللها كذلك أنهار تجرى فى ألف اتجاه نحو المروج والرياض وكان كل من يشاهد هذه الأمواه الجارية يحار من أين تأتى وإلى أين تمضى. وقد خططها نوادر أساتذة العصر والمعماريون على صورة قال فيها أحد السراة : بيت :
جاء ماء الحيوان (٣) إلى الخميلة ومضى باكيا |
|
وأكثر الأنين لاضطراره إلى مغادرة هذا الروض (٤) |
ثم إن ما بين باب ريكستان إلى «دشتك» (٥) بأجمعه كان دورا منسقة منقوشة ممتازة مشيدة بالأحجار ومضايف مزدانة بالصور ، وحدائق كبيرة غناء
__________________
(١) يريد چهارشنبه سورى (تشهار شنبه سورى) آخر ليلة أربعاء فى العام المنصرم قبل بدء العام الجديد وحلول الربيع وفيها يوقد الإيرانيون النيران حتى اليوم.
(٢) معرب پنكان. (Pengan).
(٣) أى ماء الحياة ، وجاء فى التنزيل : (وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون) (آية ٦٤ سورة العنكبوت).
(٤)
آب حيوان بچمن آمد وبا شيون رفت |
|
ناله ها كرد كه مى بايد از اين كلشن رفت |
(٥) دشتك هذه (بفتح الدال وسكون الشين وفتح التاء وبآخره كاف ساكنة). غير دشتك التى تقع قريبة من مدينة الرى وتعد من قراها وينسب إليها أحمد بن جعفر بن محمد المدنى المعروف بالدشتكى ، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن سعيد الدشتكى الرازى. وهى بادية صغيرة تقع بجوار قلعة بخارى. انظر حاشية ٢. ص ٤٧. ذكر جوى موليان وصفتها.