والاقتصار على ملاحظته فى النية والتقدير (١). وهذه الصورة الجائزة ـ لا الواجبة ، كما أسلفنا (٢) ـ هى التى يكون فيها العامل حرفا من حروف الجر ؛ كاللام الجارة فى قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ...)، وفى قوله تعالى : (رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ ، تَكُونُ لَنا عِيداً ، لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا ...) ومثل : «من» فى قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً ...)؛ فقد تكررت اللام وأعيدت صريحة فى الآية الأولى (... لكم ـ لمن ..) ، وكذلك فى الآية الثانية (.. لنا ـ لأولنا) كما تكررت «من» فى الآية الثالثة (مِنَ الْمُشْرِكِينَ ـ مِنَ الَّذِينَ ...) وهكذا ...
لكن ما إعراب حرف الجر المكرر؟ وما إعراب الاسم المجرور بعده؟ قيل : إن حرف الجر المكرر أصلىّ ، باق على عمله ، وإنه هو الذى جر الاسم الواقع «بدلا» بعده. دون الحرف الأول المتقدم ، ودون حرف آخر مقدر ، أو ملحوظ متخيل. بحجة أنه لا داعى للتقدير فى هذه الصورة مع وجود عامل مذكور ، منطوق به صراحة ؛ فإن التخيل أو التقدير إنما يكون فى غير هذه الصورة التى ظهر فيها العامل المتكرر ، ووقع تحت الحسّ ؛ فلا يمكن إغفاله ، ولا إنكار وجوده. ولا المطالبة بأن يكون العامل فى المبدل منه هو العامل فى البدل ، إذ لا داعى للتمسك بهذا الحكم حين يكون العامل المتكرر حرف جر ، بعده البدل مباشرة.
بقى الاعتراض بشىء آخر ، هو أن حرف الجرّ الأصلىّ لا يجر البدل ؛ لأن عمله مقصور على شىء واحد ؛ هو جر الاسم جرّا مجردا ، لا يصح معه اعتبار ذلك الاسم المجرور بدلا أو غير بدل.
قد يندفع هذا الاعتراض بواحد من ثلاثة :
أولها : وهو أقواها وأحسنها ـ صحة اعتبار المجرور فى هذه الصورة وحدها «بدلا» ؛ بالرغم مما هو مقرر أن التوكيد اللفظىّ لا يؤثر فى غيره ، ولا
__________________
(١) راجع حاشية ياسين على التصريح ، باب البدل. عند الكلام على بدل الاشتمال.
(٢) فى رقم ٢ من هامش ص ٦٦٤.