للأول فى المعنى تمام المطابقة مع اختلاف لفظيهما فى الأغلب (١) فهما واقعان على ذات واحدة ؛ وأمر واحد ـ نحو : (أشرقت الغزالة ، الشمس ؛ فأنارت الدنيا) ، فالشمس بدل كل من كل ، والمبدل منه : هو الغزالة ، ومعنى الثانى ـ هنا ـ معنى الأول تماما. ومثله : (الدينار من تبر ؛ ذهب ، والدرهم من لجين فضة) ، فكلمة : «ذهب» بدل مطابق من «تبر» ، وكلمة : «فضة» بدل مطابق من : «لجين». وهذا النوع من البدل لا يحتاج لرابط يربطه بالمتبوع (٢) ..
ومن الأمثلة أيضا : قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ، صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ...) ، فكلمة : «صراط» الثانية بدل كل من كل من الأولى لأن صراط الذين أنعم الله عليهم هو عينه الصراط المستقيم ؛ فالكلمتان بمعنى واحد تماما. وقول الشاعر :
__________________
(١) الأغلب اختلافهما فى اللفظ. وقد يتفقان بشرط أن يفيد الثانى زيادة بيان وإيضاح ـ كما تقدم فى الصفحة السالفة ، وكما يجىء فى : «ج» ص ٦٧٧ ـ ومن أمثلة اتفاقهما قوله تعالى :
(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ...) وقوله تعالى : فى سورة الشورى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ...) وبسبب توافق اللفظين يتشابه بدل الكل والتوكيد اللفظى فى الصورة اللفظية الظاهرة ، وقد يصعب التفريق بينهما أحيانا فى الصورة اللفظية الظاهرة. غير أن الصعوبة تزول ويتيسر تمييز أحدهما من الآخر بأمرين مجتمعين معا :
أولهما : الغرض المعنوى الذى ينفرد بتأديته كل منهما ، وهذا الغرض ترشد إليه وتعينه القرائن وتحدده.
وثانيهما : الأحكام الأخرى التى يختص بها كل منهما دون صاحبه ...
وقد يكون «البدل» عاما فى ظاهره ولكنه خاص فى المراد منه ؛ كما فى الاستثناء التام غير الموجب حيث يجوز فى المستثنى النصب والبدل ، نحو : ما تخلف السباقون إلا واحدا ، أو واحد. فإذا تقدم المستثنى «البدل» فإن الحكم يتغير ؛ فيزول عنه اسمه ، ويعرب على حسب حاجة الجملة ؛ ويفقد المستثنى منه الذى تأخر اسمه ، ويعرب «بدلا» من الاسم السابق ، ويصير الكلام : ما تخلف إلا واحد السباقون. فالسباقون : «بدل» من واحد ، وهو بدل «كل من كل» ؛ لأن المتأخر عام أريد به خاص ـ كما أسلفنا ـ وبيان هذه المسألة وتفصيل الكلام عليها مدون فى مكانها المناسب ؛ وهو باب الاستثناء ح ٢ ـ رقم ٤ من هامش ص ٢٩٨ م ٨١ ، عند الكلام على المستثنى بإلا. ـ
(٢) الأمثلة الثلاثة السالفة صالحة لبدل الكل ، ولعطف البيان ، وللتوكيد اللفظى بالمرادف. وإنما تكون التفرقة بينها بالغرض المراد تحقيقه من كل ، طبقا لما سلف من الأغراض المدونة فى أبوابها وبملاحظة الفوارق والأحكام التى تميز كل نوع ، وتختص به ـ كما سبقت الإشارة هنا فى رقم ١ ـ