(ما زرعت القمح بل القطن ـ ما أسأت مظلوما بل ظالما) ـ (لا يتصدر مجلسنا جاهل بل عالم ـ لا تصاحب الأحمق بل العاقل) ـ لم يكن معنى «بل» الإضراب ، وإنما المعنى أمران معا.
أولهما : إقرار الحكم السابق ، وتركه على حاله من غير تغيير فيه.
ثانيهما : إثبات ضدّه لما بعد «بل» ..
ففى المثال الأول : حكم منفىّ ، قبل كلمة «بل» هو نفى زراعتى القمح ، وأقررنا هذا الحكم المنفىّ ، وتركناه على حاله ، وفى الوقت نفسه أثبتنا بعدها حكما آخر ، هو ، زرع القطن ... ، وأيضا نفينا قبلها حكما ؛ هو وقوع الإساءة على المظلوم ، وأثبتنا بعدها وقوعها على الظالم. وكذلك نهينا قبلها عن تصدر الجاهل لمجلسنا ، وأمرنا بعدها بهذا التصدر للعالم. ونهينا عن مصاحبة الأحمق ، وأمرنا بها للعاقل ، وهكذا ...
فالحكم الأول فى كل الأمثلة السالفة ـ ونظائرها ـ باق على حاله ، لم يقع عليه إضراب ، أو تغيير ، والحكم بعد «بل» مضاد لما قبلها ، فالحكمان متضادان ؛ ما ينفى أو ينهى عنه قبل «بل» يثبت أو يؤمر به بعدها (١) ...
* * *
__________________
(١) فى حكم «بل» يقول ابن مالك :
و «بل» ك «لكن» بعد مصحوبيها |
|
كلم أكن فى مربع ، بل تيها |
(المراد بالمصحوبين : النفى والنهى ، «والمربع» : المكان الذى ينزل فيه القوم زمن الربيع. والتيها : هى التيهاء ؛ (أى : الصحراء) يقول : إن «بل» بعد النفى مثل «لكن» فى أنها تقرر ما قبلها ، وتتركه على حاله ، وتثبت ضده لما بعده ، فلا تفيد معهما إضرابا. لكنها بعد الكلام الموجب وبعد صيغة الأمر تفيد الإضراب عن الأول ، وتنقل حكمه إلى الثانى ، حتى يصير الأول مسكوتا عنه مهملا. وفى حالتى الإيجاب والأمر يقول ابن مالك متمما كلامه السالف عن «بل» :
وانقل بها للثّان حكم الأول |
|
فى الخبر المثبت والأمر الجلى |
أى : الصريح فى دلالته على الأمر ؛ كفعل الأمر ، والمضارع المسبوق بلام الأمر. وهذا عند ابن مالك ومن وافقه. وهناك من يلحق التمنى ، والترجى ، والعرض ، والتحضيض .. ـ بالصريح كما قلنا فى رقم ٢ من هامش ص ٦٢٥ وقد سبق الكلام على «لكن» فى ص ٦١٦.