ب ـ وإن دخل على مفرد فحكمه أنه : حرف عطف ؛ يختص بعطف المفردات وحدها. أما معناه هنا فيختلف باختلاف ما قبله من كلام مثبت ، أو مشتمل على صيغة أمر ، أو كلام منفى ، أو مشتمل على صيغة نهى.
(١) فإن تقدم على : «بل» كلام موجب أو صيغة أمر (١) ـ نحو : (أعددت الرسالة بل القصيدة ـ لبست المعطف بل الثياب) ـ (عاون المحتاج بل الضعيف ـ ساعف الصديق بل الصارخ). ـ كان معنى «بل» أمرين معا ، أساسيين :
أولهما : الإضراب عن الحكم السابق ؛ بنفى المراد منه نفيا تامّا ، وإبطال أثره كأن لم يكن ، وسلبه عن صاحبه ، وترك صاحبه مسكوتا عنه مهملا ؛ أى غير محكوم عليه بشىء مطلقا بمقتضى هذا الكلام الذى أزال عنه الحكم السالف ، وتركه بغير حكم جديد يقع عليه. وإن شئت فقل : إنّ الكلام السابق على «بل» صار كأنه لم يذكر (٢).
ثانيهما : نقل الحكم الذى قبل «بل» نقلا تامّا إلى ما بعدها من غير تغيير شىء فى هذا الحكم الذى أزيل عما قبلها ، واستقر لما بعدها ، ففى الأمثلة السابقة يقع الإضراب على إعداد الرسائل ، فينفى الإعداد لها ، ولكنه يثبت للقصيدة بعدها. ويقع الإضراب على لبس المعطف ، فلا يلبس ، وإنما ينتقل اللّبس إلى الثياب. وكذلك ينصبّ الإضراب على معاونة المحتاج ؛ فلا يحصل ؛ وإنما تنتقل المعاونة إلى الضعيف وتثبت له. وأيضا تلغى المساعفة للصديق ولكنها تثبت للصارخ ، وهكذا.
(٢) وإن تقدم على «بل» كلام منفى ، أو مشتمل على صيغة نهى ، نحو :
__________________
(١) يراد بها ما يدل على الأمر صراحة ، كفعل الأمر ، ولام الأمر الداخلة على المضارع. لكن أيلحق بالأمر هنا التمنى ، والترجى ، والعرض ، والتحضيض ، أم لا يلحق؟
رأيان بينهما خلاف واسع. والأحسن التيسير بقبول الرأى الذى يلحقها ـ كما سيجىء فى هامش ص ٦٢٧ ـ.
(٢) ففى الأمثلة السابقة ما ذا جرى للرسالة ، وللمعطف ، وللمحتاج ، وللصديق ، بعد أن سلبنا الحكم الواقع على كل منها؟
ليس فى الكلام ما يدل على حكم جديد بعد الحكم المسلوب الذى نفيناه. فكل واحد منها بمنزلة كلمة مفردة نطقنا بها وحدها من غير أن نسند إليها شيئا.