ففى المثال السابق قد يكون وصول القطار أوّلا وبعده السيارة ، وقد يكون العكس ، وقد يكون الزمن بين وصول السابق واللاحق طويلا أو قصيرا ، وقد يكون وصولهما اصطحابا معا (أى : فى وقت واحد) ، فلا سبق لأحدهما ولا زمن بين وصولهما. فكل هذه احتمالات صحيحة ، لا يزيلها إلا وجود قرينة تدل على واحد منها دون غيره. كأن يقال : وصل القطار والسيارة قبله ، أو بعده ، أو معه ...
فمن أمثلة الترتيب والمهلة ـ بقرينة ـ قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ ...)، فقد أفادت الواو الاشتراك ، والترتيب الزمنى ، والمهلة ؛ فعطفت المتأخر كثيرا فى زمنه (وهو : إبراهيم) على المتقدم فى زمنه ، (وهو : نوح) ، وكانت إفادتها الترتيب والإمهال مستفادة من قرينة خارجية يجب احترامها ، هى التاريخ الثابت الذى يقطع بأن زمن إبراهيم متأخر كثيرا عن زمن نوح ، ولو لا هذه القرينة ما أفادت الواو الترتيب الزمنى ، وفسحة الوقت. وهذه الفسحة ـ أو المهلة ـ يقدّرها العرف بين الناس ، فهو ـ وحده ـ الذى يحكم على مدة زمنية بالطول ، وعلى أخرى بالقصر ، تبعا لما يجرى فى العرف الشائع.
ومن الأمثلة أيضا قوله تعالى مخاطبا النبى محمدا عليه السّلام : (كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم) ، فالواو قد أفادت الاشتراك والجمع فى المعنى المراد ؛ وهو : الإيحاء ، وأفادت ـ أيضا ـ الترتيب الزمنى والمهلة بعطف المتقدم فى زمنه على المتأخر كثيرا فى زمنه بقرينة خارجة عنهما ، هى : «من قبلك» فهذا النص صريح فى أن «المعطوف» سابق فى زمنه على «المعطوف عليه» ولو لا هذه القرينة لاقتصرت الواو على إفادة الجمع المطلق فى المعنى ، والاشتراك المجرد فيه ، دون إفادة ترتيب زمنىّ ، وأما المهلة فقد دلّ عليها التاريخ.
وكقوله تعالى فى نوح عليه السّلام حين ركب السفينة هو وأصحابه المؤمنون ، فرارا من الغرق بالطوفان : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ ...) فالواو تفيد الجمع