ومما يلاحظ أن المطابقة ، حين يكون المؤكّد بهما جمعا تقتضى أن يجمعا جمع تكسير للقلة على وزن : «أفعل» ، فقط ، ومنع أكثر النحاة الجموع الأخرى التى للقلة والكثرة ، فلا يصح : جاء الولاة نفوسهم ، ولا عيونهم ...... وبناء على هذا الرأى لا بد أن تكون صيغتهما على وزن «أفعل» مع إضافتهما لضمير الجمع (١).
أما إذا كان المؤكّد مثنى فالأفصح جمعهما على وزن القلة السابق وهو : «أفعل» فيقال أنفسهما ـ أعينهما. لكن يصح إفرادهما وتثنيتهما ؛ فيقال : نفسهما ـ عينهما ـ أو : نفساهما ـ عيناهما (٢). ومهما كان وزن الصيغة فى التثنية فلابد من إضافتهما إلى ضمير المثنى ؛ ليطابق المؤكّد (٣) ...
__________________
(١) وفريق من النحاة يجيز فى كلمة : «عين» المستعملة فى التوكيد جمعها للقلة على «أعيان» لكن الكثير الفصيح هو وزن : «أفعل» ويحسن الاقتصار عليه ؛ متابعة للمطرد فى كلام العرب.
(٢) يفهم مما سبق صحة الإفراد ، والتثنية ، والجمع ، فى كلمتى : «النفس والعين» إذا وقعت إحداهما توكيدا للمثنى. ولا بد من إضافتهما للضمير ...
وبهذه المناسبة نذكر ضابطا لغويا مفيدا ـ (سبق تسجيله فى ج ١ م ٩ بهامش ص ١١٠) ـ مضمونه : أن كل مثنى فى المعنى ، مضاف إلى متضمّنه (بكسر الميم الثانية المشددة ، وصيغة اسم الفاعل ، أى : إلى ما اشتمل على المضاف) يجوز فيه الإفراد ، والتثنية ، والجمع ؛ نحو : قوله تعالى : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما.) ونقول : تصدقت برأس الكبشين ـ أو : رأسى الكبشين ـ أو رءوسهما. وإنما فضل الجمع على التثنية لأن المتضايفين كالشىء الواحد ؛ فكرهوا الجمع بين تثنيتهما ، ولأن المثنى جمع فى المعنى. وفضل الجمع على الإفراد لأن المثنى جمع فى المعنى ، والإفراد ليس كذلك ، فهو أقل منه دلالة على المثنى.
هذا ما نقله بعض النحاة ـ كالصبان ، ج ٣ والخضرى ج ٣ ، فى أول باب التوكيد منهما ـ وينطبق ما تقدم على : «النفس والعين» المستعملتين فى التوكيد ؛ خضوعا للسماع الوارد فيهما ، لا تطبيقا للضابط السالف ؛ فقد قال الصبان فى الموضع المشار إليه : إن إضافتهما ليست لمتضمّنهما ، بل إلى ما هو بمعناهما ؛ لأن المراد منهما «الذات». وفى ص ١٤٥ م ١١ من الجزء الأول أيضا ضابط آخر لشارح المفصل فيه بعض المخالفة لما هنا.
(٣) وفى هذا يقول ابن مالك :
واجمعهما «بأفعل» إن تبعا |
|
ما ليس واحدا تكن متّبعا |
أى : إن كانا تابعين (مؤكّدين) لغير الواحد ؛ وهو المثنى والجمع ـ فجىء بهما مجموعين على صيغة : «أفعل» لتكون متبعا للنهج الصحيح.