الآية الكريمة : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) ... وبعض الأمثلة التى سلفت) فإنه يكون مبنيّا ويذكر فى إعرابه : «أنّه مجرور بكسرة مقدرة على آخره ، منع من ظهورها علامة البناء الأصلى فى محل رفع» (١) فهو ـ كسابقه ـ فى أنه مجرور اللفظ ، مرفوع المحلّ ، وفى أنه يجوز فى تابعه الأمران : الرفع والجرّ.
ب ـ أو نقول : «أجمل» فعل أمر حقيقى ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت ، يعود على مصدر الفعل المذكور (وهو : الجمال) و «بالوردة» الباء حرف جر أصلىّ ، وهى ومجرورها أصليان متعلقان (٢) بالفعل. والمراد الملحوظ : يا جمال أجمل بالوردة ؛ أى : لازمها ، ولا تفارقها. فالخطاب الملحوظ موجّه لمصدر الفعل المذكور ، بقصد طلب استمراره ، ودوام بقائه معه (٣). ومثل هذا يقال فى الأمثلة الأخرى ، والفاعل مفرد مذكر للمخاطب دائما لأنه ضمير مستتر للمصدر المخاطب فى كل الأحوال.
والإعرابان صحيحان (٤). والمعنى عليهما صحيح أيضا ؛ فلا خلاف بينهما
__________________
(١) يلاحظ أن الضمير الواقع فاعلا فى آية : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) إنما جاء خلفا عن «واو الجماعة» للغائبين ؛ إذ الأصل بناء على التقدير السالف : «سمعوا» ولما كانت واو الجماعة لا تكون فى محل جر امتنع وقوعها بعد «باء الجر» الزائدة لزوما. ولم يكن بد من التوفيق بين الأمرين بالاستغناء عن واو الجماعة والإتيان بالضمير «هم» مكانه ؛ لأنه الضمير الذى يصلح للرفع وللجر مع دلالته على جماعة الغائبين.
(٢) لازمان لا يمكن الاستغناء عنهما ، إلا فى حالة واحدة يمكن فيها حذف الباء «فى الرأى الأغلب ـ حين تجر مصدرا مؤولا ... (وسيجىء تفصيل الكلام عليها عند بيان الحكم التاسع من أحكام التعجب ص ٣٦٢ م ١٠٩ وسبقت الإشارة لهذا فى رقم ٢ من هامش الصفحة السالفة ، وفى ج ٢ ص ١٣٥ م ٧١).
(٣) ويصح أن يكون موجها للمخاطب الذى يراد منه أن يتعجب. مع وجوب إبقاء الضمير على حاله من الإفراد والتذكير. وهذا الوجه هو الذى ينطبق فى يسر وغير تكلف على مثل قول الشاعر :
إذا عمّر الإنسان تسعين حجّة |
|
فأبلغ بها عمرا ، وأجدر بها شكرا |
(٤) وبهما قال الأقدمون ، ولكل رأى أنصاره وأدلته المقبولة ؛ فلا معنى لتجريح أحدهما كما يفعل بعض المتسرعين. ومن الإنصاف القول بأن المذهبين مقبولان ولكن كثيرا من أدلتهما وتعليلاتهما مصنوع ، لا يثبت على التمحيص ؛ ولا يعرفه العربى صاحب هذه اللغة ولا يدور بخلده ، فوق أنه لا يساير القواعد النحوية الأصلية المنتزعة من كلامه. فمن الخير إهمال الجدليات والتعليلات الزائفة التى تتردد فى نواح كثيرة من هذا الباب وغيره.