ب ـ وردت صيغ ـ كثيرة لاسم المكان ، قليلة لاسم الزمان ، ـ من مصدر الثلاثى على وفاق القاعدة ، ولكنها مختومة بتاء التأنيث للدلالة على تأنيث المعنى المراد من الكلمة. (إذ يقصد منها : البقعة ، بمعنى المكان). فمما ورد فى الكلام العربى الفصيح : المزلة (بكسر الزاى) لموضع الزّلل ـ المظنة بفتح الظاء (١)) لمكان الظن ـ المشرقة (بفتح الراء) لموضع شروق الشمس والقعود فيها ـ موقعة الطائر (بفتح القاف) ، للمكان الذى يقع فيه ـ المشربة للغرفة ـ المدبغة ـ المزرعة ـ المزلقة ـ المنامة ... وكثير مثل هذا يزيد على المائة ولكنه يكاد يقتصر على المكان. فهل يجوز القياس على هذا الوارد من المكان ، مرادا منه : «البقعة» ، بزيادة تاء التأنيث على صيغة «مفعل» التى هى بفتح العين أو التى بكسرها ، لتصير «مفعلة» ـ بفتح العين أو كسرها (٢) ـ مع بقاء الدلالة على ما كانت عليه؟
اختلف قدماء النحاة فى الرأى ؛ فقليلهم يجيز القياس ، وأكثرهم يميل ـ بغير داع قوىّ ـ إلى المنع ؛ لتوهمه أن هذا الكثير ـ المسموع المختوم بالتّاء فى صيغة اسم المكان ـ قليل لا يكفى للقياس عليه.
والحق أن الرأى الذى يبيح القياس عليه سديد موفّق ، إذ كيف يوصف الوارد من تلك الأمثلة المكانية بالقلة مع أنه يبلغ العشرات (٣)؟ نعم إنها قلة ، ولكنها : «نسبية» ، (أى : بالنسبة للصيغ الواردة من غير تاء التأنيث) ، والقلة النسبية» على هذا الوجه تبيح القياس العام ، وتجيز المحاكاة من غير تقييد (٤) ، وإن كانت لا تبلغ فى درجة القوة والفصاحة مبلغ الأولى (٥) ، فاختلاف الدرجة فى القوة والفصاحة لا يمنع من صحة القياس والمحاكاة ، ولا داعى للتضييق الذى لا يدفع عن اللغة أذى ؛ ولا يجلب لها نفعا. فالأنسب إباحة القياس فى صيغة «مفعلة»
__________________
(١) وقد سمع فيها الكسر أيضا.
(٢) دالة على المؤنث ، المراد به البقعة ، بمعنى المكان.
(٣) قال شارح «القاموس المحيط» فى مادة «أسد» إن بعضهم جعله مقيسا ؛ لكثرة أمثاله.
(٤) انظر البيان الخاص بهذا فى رقم ٤ من هامش ص ٧٩.
(٥) هذا رأى بعض أئمة العربية ممن يفسرون القياس (كما جاء فى مجلة المجمع اللغوى ج ١ ص ٢٣٢) بأنه الجرى على مقتضى الكثرة فى جنسها ، لا الأغلبية العامة. وبه أخذ المجمع اللغوى فى كثير من أحكامه وقراراته ، بعد أن بيّن قوته ، ورجاحة أدلته ، وشدة الحاجة للأخذ به.