ثالثها ـ ثبوت هذا المعنى المجرد (الوصف ، أو : الصفة) لصاحبه فى كل الأزمنة ثبوتا عامّا ؛ أى : الاعتراف بتحقّقه ووقوعه شاملا الأزمنة الثلاثة المختلفة ؛ فلا يختص ببعض منهادون آخر ، بمعنى أنه لا يقتصر على الماضى وحده ، ولا على الحال وحده ، ولا على المستقبل كذلك ، ولا يقتصر على زمنين دون انضمام الثالث إليهما ؛ فلابد أن يشمل الأزمنة الثلاثة ؛ بأن يصاحب موصوفه فيها. فوصف شخص بالجمال ، على الوجه الوارد فى العبارة السابقة ، معناه الاعتراف بالجمال له ، وأن هذا الجمال ثابت متحقق فى ماضيه ، وفى حاضره ، وفى مستقبله ، غير مقتصر على بعض منها (ولهذا نتيجة حتمية تجىء فى الأمر الرابع التالى :).
رابعها ـ ملازمة ذلك الثبوت المعنوى العام ، للموصوف ودوامه ؛ لأنه ـ كما أوضحناه ـ يقتضى أن يكون المعنى المجرد ، الثابت وقوعه وتحققه ، ليس أمرا حادثا الآن ، ولا طارئا ينقضى بعد زمن قصير. وإنما هو أمر دائم ملازم صاحبه (الموصوف) طول حياته ، أو أطول مدة فيها حتى يكاد يكون بمنزلة الدائم (١) ، إذ ليس بمعقول أن يصحبه فى ماضيه وحاضره ومستقبله من غير أن يكون ملازما له ، أو كالملازم (٢) ؛ فالجمال ـ مثلا ـ لا يفارق صاحبه ، وإن فارقه (٣) فزمن المفارقة أقصر من زمن الملازمة الطويلة التى هى بالدوام أشبه. ومن ثمّ كان هذا الأمر الرابع نتيجة للثالث (٤).
__________________
(١) ويشبهها فى هذا الدوام والاستمرار «أفعل التفضيل» ـ كما فى رقم ٢ من هامش ص ٢٥١ وكما سيجىء فى بابه. ص ٣٩٥ ـ.
(٢) يدخل فى حكم الملازمة بعض الأوصاف التى لا تفارق صاحبها ، ولكن آثارها لا تظهر إلا فى مناسبات خاصة بها ؛ فمثلها يطرأ ، ويزول ، ثم يتجدد ... وهكذا ، مما يسمى : «الاستمرار المتجدد ، أو : الاستمرار التجددى». ومن هذا النوع كثير من العادات والسجايا ؛ كالفرح ، والغضب ، والشبع ، نحو : فلان فرح ، أو : غضوب ، أو شبعان ... فهذه صفات تظهر فى مناسباتها ـ كما سيجىء فى الأمر الأول من ص ٢٨٥ وفى الثالث من ص ٣٠٧.
(٣) تكون هذه المفارقة لسبب طارئ مؤقت ـ فى الغالب ـ كمرض ، أو خوف ، أو شيخوخة ...
(٤) ولا بد من النص على هذا الأمر الرابع ؛ إذ لا يلزم من حصول الأمر الثالث وتحققه أنه يلازم صاحبه ملازمة دائمة ؛ فمن الممكن حصول الأمر فى الماضى وفى الحال وفى المستقبل من غير أن يلازم صاحبه الملازمة المستمرة ـ أو شبهها ـ فى كل حالة : ومن الممكن أن يقع فيها كلها مجتمعة من غير أن يستمر فى المستقبل كذلك.