محاكاته. ثم يزيدون التعليل بما نصه (١) : (فارقت «أىّ» سائر الصفات فى أنه لا يجوز حذف موصوفها وإقامتها مقامه ؛ لا تقول : مررت بأى رجل ؛ لأن المقصود بالوصف بأىّ هو المبالغة وتقوية المدح أو الذم. والحذف يناقض هذا) اه.
فمن المحتم عندهم إضافتها لفظا ومعنى ، وأن يكون الموصوف بها مذكورا. لكنا رأينا موصوفها محذوفا سماعا فى البيت السالف ، ورأيناه محذوفا كذلك فى كلام لعلى بن أبى طالب ، نصّه (٢) ـ.
(«اصحب الناس بأىّ خلق شئت يصحبوك بمثله.») اه. يريد : بخلق أىّ خلق. وهى لا تصلح هنا أن تكون موصولة. لأن الموصولة لا تضاف عند الجمهور إلى نكرة. كما لا تصلح نوعا آخر. فورود موصوفها محذوفا فى الشعر وفى نثر الإمام علىّ أفصح البلغاء ، يبيح استعمالها مع حذفه ولو كان هذا الاستعمال قليلا بالنسبة للرأى الآخر. وفوق هذا كله نجد الضوابط النحوية العامة لا تمنع حذفه ؛ فمن الجائز ـ طبقا لتلك الضوابط ـ اعتبار «أىّ» فى مثل الأساليب السالفة صفة لموصوف محذوف ، ولا ضعف فى هذا مطلقا ، ولا شىء يمنع من الأخذ به ؛ قياسا على ما جاء فى «أىّ» من قوله تعالى فى سورة الانفطار : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ ...) ، فقد قال المفسرون فى إعرابها أقوالا مختلفة ، ومنها ما جاء فى تفسير الألوسى لتلك الآية ، ونصّه :
(«فى أى صورة ما شاء ركبك» ـ أى : ركبك ، ووضعك فى أى صورة اقتضتها مشيئته تعالى وحكمته جلّ وعلا من الصور المختلفة ؛ فى الطول ، والقصر ، ومراتب الحسن ، ونحوها. فالجار والمجرور متعلق : «بركّبك». و «أىّ» للصفة ، مثلها فى قوله :
أرأيت أىّ سوالف وخدود |
|
برزت لنا بين اللّوى وزرود |
ولما أريد التعميم لم يذكروا موصوفها. وجملة : «ما شاء» صفة لها ، والعائد
__________________
(١) كما جاء فى : «الدرر اللوامع» ، ج ١ ص ٧١.
(٢) نقلا عن ص ٧٨ من كتاب : «سجع الحمام فى حكم الإمام» إخراج وتحقيق على الجندى ، وزميليه.