لا يذهب دم القتيل هدرا حتى تثأر (١) له الحكومة. أى : إلّا أن تثأر له الحكومة ، بمعنى : لكن تثأر له الحكومة ؛ فلا يذهب هدرا. والغالب فى هذا المثال ـ وأشباهه ـ أن يبقى النفى الذى قبل «حتى» على حاله بعد تأويلها بالحرف «إلا».
ولا يصح فى المثال أن تكون : «حتى» للغاية ؛ لأن «حتى» الغائية ـ كما عرفنا ـ إذا وقع ما بعدها وتحقق معناه توقف المعنى الذى قبلها ، وانقطع.
على هذا فالحكومة حين تثأر للقتيل ، ينقطع عدم ذهاب دمه هدرا ؛ وانقطاعه وتوقفه يؤدى ـ حتما ـ إلى وقوع ضده وحصوله ؛ أى : إلى أن دمه يذهب هدرا. وهذا فاسد.
وشىء آخر يمنع أن تكون «حتى» غائية فى المثال ؛ هو : أن ما قبلها لا ينقضى شيئا فشيئا.
وكذلك لا تصح أن تكون : «حتى» «تعليلية» ، لأن ما قبلها ـ هنا ـ ليس علة وسببا فيما بعدها ؛ إذ عدم ذهاب دمه هدرا بالفعل ليس هو السبب فى انتقام الحكومة له ؛ لأنّ هذا يناقض المراد ، وإنما الانتقام له فعلا واقعا هو السبب فى عدم ذهاب دمه هدرا ، إذ السبب لا بد أن يسبق المسبّب ، ويوجد قبله ؛ ليجىء بعده ما ينشأ عنه ، ويترتب عليه ، وهو : المسبب ، فأخذ الثأر لا بد أن يوجد أوّلا. ليوجد بعده عدم ذهاب الدم هدرا ، لا العكس.
وإذا كانت «حتى» فى المثال السابق وأشباهه لا تصلح أن تكون غائية ولا تعليلية فلا مفرّ بعدهما من أن تكون بمعنى : «إلا» الاستثنائية ، فى استثناء منقطع ؛ أى : أنها بمعنى : «لكن» التى تفيد الابتداء والاستدراك معا ـ كما أسلفنا ـ ومن الأمثلة : ١ ـ كل مولود يولد جاهلا بالشرّ حتى يتعلّمه من أسرته وبيئته. بمعنى إلا أن يتعلمه. أى : لكن يتعلمه. فلا تصلح أن تكون «غائية» ؛ لأن ما قبلها هنا لا يقع متدرجا متطاولا بحيث يمتد إلى ما بعدها. بل يقع دفعة واحدة. ولا تصلح أن تكون «تعليلية» ، لأن ولادة الجاهل بالشر ليست هى العلة المؤثرة فى أمر
__________________
(١) تثأر ؛ أى : تأخذ بثأره ، وتقتص له من الجانى.