زيادة وتفصيل :
(ا) قلنا فيما سبق : إن «حتى» الجارة نوعان : يجر الاسم الصريح ، ومعنى هذا النوع الدلالة على الغائية ، أى : على نهاية الغاية ، فيجر الآخر ، أو ما يتصل بالآخر. ونوع يجر المصدر المنسبك من «أن» المضمرة وجوبا وما دخلت عليه من الجملة المضارعية. ومعنى هذا النوع ، إما نهاية الغاية (١) وإما التعليل ، وإما الاستثناء.
فمن معانى «حتى» : الدلالة على الاستثناء وهذا أقل ـ استعمالاتها ، ولا يلجأ إليه إلا بعد القطع بعدم صحة واحد من المعنيين السابقين ـ ولا تجر فيه إلا المصدر المنسبك من «أن» الناصبة المستترة وجوبا ومن صلتها الفعلية المضارعية. وتكون «حتى» فى هذه الحالة بمعنى «إلا» الاستثنائية. والغالب أن يكون الاستثناء منقطعا ، فتكون «إلا» فيه بمعنى «لكن» أى : يصح أن يحل محلها : «لكن» التى تفيد الابتداء والاستدراك معا ؛ (فيكون الاستثناء منقطعا) (٢) ؛ نحو :
__________________
(١) يفهم من هذا أن «حتى» لا بد أن تكون لنهاية الغاية إذا كان المجرور بها اسما صريحا ، ولا عكس ؛ فلا يلزم من كونها للغاية أن يكون المجرور بها اسما صريحا. لا يلزم هذا ؛ لجواز أن يكون مصدرا مؤولا من أن المصدرية وصلتها الجملة المضارعية.
(٢) قد تكون : «حتى» مع «أن» المستترة بمعنى : (إلا أن) ؛ فيكون الاستثناء منقطعا ، مع ملاحظة أن أداة الاستثناء ، هنا مقصورة على : «إلا» وحدها. أما الحرف : «أن» الذى يليها فلا شأن له بالاستثناء ، وإنما جىء به لمجرد التفسير والإيضاح.
وقد يكون الاستثناء ـ أحيانا ـ متصلا كما فى بعض الأمثلة التى عرضت ، وكما فى نحو : لا أجيب الصديق حتى يدعونى لمزاملته ؛ أى : لا أجيبه وقتا إلا وقت دعوتى. ببقاء النفى الذى قبل «حتى» على حاله بعد تأويلها ـ كما هو الأغلب ـ. فالاستثناء متصل مفرغ للظرف ، ولا تصلح «حتى» غائية ، لأن عدم الإجابة لا يقع تدريجا على دفعات ؛ إذ الإجابة لا تمتد ولا تتطاول إلى زمن الدعوة ، بل إنها لا تكون قبل الدعوة ، ولا تصلح أن تكون «تعليلية» ؛ لأن عدم الإجابة ليس سبب الدعوة. فلم يبق إلا أن تكون بمعنى الاستثناء ، وهو صالح هنا أن يكون متصلا ؛ فلا يعدل إلى الانقطاع. ومثله قوله تعالى : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ ... ،) أى : ما يعلمان من أحد وقتا (أى : فى وقت) إلا وقت أن يقولا ... ولهذه المسألة بيان أشمل ، يستوعب جوانبها الهامة المختلفة ، وهو فى ج ٤ م ١٤٩ باب النواصب ص ١٤٩.