كما يحوى الظرف المظروف ، أى : كما يحوى الوعاء الشىء الذى يوضع فيه وهكذا بقية حروف الجر الأصلية كلها ـ وكذا الشبيهة بالأصلية (١) ـ ؛ فإن كلّا منها لا بد أن يحمل معه للجملة معنى فرعيّا جديدا من المعانى (٢) التى يختص بتأديتها ، ولا يتكشف هذا المعنى الجديد إلا بعد وضع الحرف مع مجروره فى الجملة. وعندئذ يتكشف ويتحقق مدلوله على الاسم المجرور به ـ كما سبق (٣) ـ.
أما وجود الحرف وحده أو مع مجروره بغير وضعهما فى جملة ، فلا يفيد شيئا.
هذا من ناحية إفادته معنى فرعيّا جديدا لم يكن له وجود قبل مجيئه.
(ب) وأما من ناحية وصله بين عامله والاسم المجرور ـ وهو ما يسمى : «التعلق بالعامل» ـ فالنحاة يقولون : إن الداعى القوى لاستخدام حرف الجر الأصلى مع مجروره ، هو الاستفادة بما يجلبه من معنى جديد ـ وهذا المعنى الجديد ليس مستقلا بنفسه ، وإنما هو تكملة فرعية لمعنى فعل أو شبهه. ويوضحون هذا بما يشبه الكلام السابق. ففى مثل : حضر المسافر من القرية ـ نجد الجار مع مجروره قد أكملا بعض النقص البادى فى معنى الفعل : «حضر» ؛ فلولاهما لتواردت علينا الأسئلة السالفة ، لكن بمجيئهما انحسم الأمر. فلهذا يقال : الجار والمجرور متعلق بالفعل : «حضر» ، أى : مستمسك ومرتبط به ارتباطا معنويّا كما يرتبط الجزء بكله ، أو الفرع بأصله ؛ لأن المجرور يكمل معنى هذا
__________________
(١) حرف الجر الشبيه بالأصل هو : «لام الجر الزائدة» زيادة غير محضة ؛ لأنها تجىء لتقوية عاملها الضعيف ، ومن الممكن الاستغناء عنها : فإذا لوحظ أنها تفيد عاملها «التقوية» كان هذا معنى جديدا جلبته معها ، وأفادته عاملها ؛ فيجب تعلقها مع مجرورها به. وإن لوحظ أنه يجوز حذفها فلا تتأثر الجملة بحذفها كانت زائدة زيادة غير محضة ، لأن الحرف الزائد زيادة محضة لا يفيد شيئا إلا توكيد معنى الجملة كلها ، لا بعضها ـ وسيجىء البيان عند الكلام على لام الجر الزائدة المحضة التى للتقوية ص ٤٣٩ ـ.
(٢) لكل حرف من حروف الجر الأصلية أو الشبيهة بالأصلية ، عدة معان ، ولكل معنى مقام يناسبه ، وسياق يقتضيه. (وسيجىء فى ص ٤٢٢ تفصيل هذا).
(٣) وقد أسهبنا القول فى إيضاح معنى الحرف مطلقا ، وأن معناه لا يعرف من لفظه فقط ؛ وإنما يعرف بعد وضعه فى جملة. وأن هذا المعنى يظهر على ما بعده ... و... كل هذا فى ج ١ ص ٦٢ م ٥.