ثانيهما : تمييز الجملة وهو الذى يزيل الغموض والإبهام عن المعنى العام بين طرفيها ، وهو المعنى المنسوب فيها لشىء من الأشياء ، ولذلك يسمى أيضا : «تمييز النسبة» ، وقد سبقت الأمثلة للنوعين.
تقسيم تمييز الجملة بحسب أصله :
ينقسم تمييز الجملة (دون تمييز المفرد) إلى ما أصله فاعل فى الصناعة (١) وإلى ما أصله مفعول به كذلك. ويرى أكثر النحاة أنّ تمييز الجملة لا يخرج ـ فى الغالب ـ عن واحد من هذين ، (ولو تأويلا) (٢) ؛ مثل : زادت البلاد سكانا ـ اختلف الناس طباعا ـ قوى الرجل احتمالا ، ومثل : أعددت الطعام ألوانا ـ وفيت العمال أجورا ـ نسقت الحديقة أزهارا.
فالأصل : زاد سكان البلاد ـ اختلفت طباع الناس ـ قوى احتمال الرجل. فتغير الأسلوب ؛ بتحويل الفاعل تمييزا. وقد كان الفاعل مضافا ؛ فأتينا بالمضاف إليه ، وجعلناه فاعلا ، بعد أن صار الفاعل تمييزا بالصورة السالفة.
والأصل فى الأمثلة الباقية : أعددت ألوان الطعام ـ وفيت أجور العمال ـ نسقت أزهار الحديقة ؛ فتغير الأسلوب ؛ بتحويل المفعول به تمييزا ، وقد كان هذا المفعول مضافا ، فأتينا بالمضاف إليه ، وجعلناه مفعولا به ، بعد أن صار المفعول به السابق تمييزا.
أما تمييز المفرد فلا تحويل فيه مطلقا.
__________________
(١) أى : فاعل لفعل أو ما يشبه الفعل مما يحتاج لفاعل بمقتضى الأصول النحوية وصناعتها. والتقييد بأن الفاعل المعنوى أصله فاعل فى الصناعة تقييد ضرورى ؛ لإبعاد ما هو فاعل فى المعنى دون الصناعة ؛ نحو : لله درّك فارسا ، وأبرحت جارا (أى : أعجبت ؛ يقال : أبرح الرجل ، إذا جاء بالبرج ـ بسكون الراء ـ أى : بالعجب). فإن معناهما : عظمت فارسا ، وعظمت جارا ، ولكنهما غير محولين أصلا عن الفاعل الصناعى ، ولهذا يجوز جرهما بالحرف : «من» ؛ نحو : لله درك من فارس. ونحو : أبرحت من جار ، فى حين التمييز المحول عن الفاعل الصناعى يجب نصبه ، ولا يجوز جره بمن. ـ انظر «ج» من ص ٣٩٧ ـ وكذلك : ما أحسن المهذب رجلا ، فإنه مفعول فى المعنى. لكنه غير محول ؛ لأنه عين ما قبله ، ولهذا يصح جره أيضا بمن. انظر ما يتصل بفعل التعجب فى هامش ص ٣٩٤.
أما نحو : نعم رجالا الزراع ، فقد رأى بعض النحاة فى التمييز أنه محول عن الفاعل الصناعى ؛ فيجب نصبه. ورأى آخرون أنه غير محول فيجوز فيه النصب أو الجر بمن ، والرأى الأول أقوى. (راجع : «ج» من ص ٣٩٧).
(٢) راجع «ا» ، و: «ب» من الزيادة والتفصيل (ص ٣٩٧) حيث الكلام على التأويل ، ونوع من التفضيل.