زيادة وتفصيل :
(ا) عرفنا (١) «المبهم» من ظروف المكان ، وأنه يشمل أنواعا منها : «الجهات الست». وقد ألحقوا بهذه الجهات ألفاظا أخرى ، منها : عند ـ ـ لدى ـ وسط ـ بين ـ إزاء ـ حذاء ... واختلفوا فى مثل (٢) : داخل ـ خارج ـ ظاهر ـ باطن ـ جوف الدار ـ جانب ، وما بمعناه (مثل : جهة ـ وجه ـ كنف) فى مثل : قابلته داخل المدينة أو خارجها ، أو ظاهرها ... ؛ فكثير من النحاة يمنع نصب هذه الكلمات على الظرفية المكانية ؛ لعدم إبهامها ، ويوجب جرّها بالحرف : «فى». وفريق يجيز ، ويرى أنّ هذا هو الأنسب (٣) ، لما فيه من تيسير ، لأن تلك الكلمات الدالة على المكان لا تخلو من إبهام ، فهى شبيهة بالمبهم ، وملحقة به. وكان الجدير بكل فريق أن يستند فى تأييد رأيه على موقفه من المسموع المأثور ، ويعتمد عليه وحده فى الاستدلال ، واستنباط الحكم ، فمن نصره السماع الكثير فرأيه هو الأقوى دون غيره. ولكنهم لم يفعلوا. ومن ثمّ يكون الرأى المجيز أولى بالاتباع ، وإن كانت المبالغة فى الدقة والحرص على سلامة الأسلوب وسمّوه تقتضى البعد عن الخلاف باستعمال الحرف «فى» ؛ لاتفاق الفريقين على صحة مجيئه ؛ فيجرى التعبير اللغوى على سنن موحد.
(ب) من أنواع الظرف ما يكون مؤسّسا ؛ وما يكون مؤكّدا ، فالمؤسّس هو الذى يفيد زمانا أو مكانا جديدا لا يفهم من عامله ؛ نحو : صفا الجو اليوم ، فقضيته حول المياه المتدفقة ، وبين الأزاهر والرياحين. فكل من الظروف : (اليوم ـ حول ـ بين ـ ...) يسمى : ظرفا مؤسسا ، أو تأسيسيّا ؛ لأنه أسّس ـ أى : أنشأ ـ معنى جديدا لا يفهم من الجملة بغير وجوده.
والمؤكّد هو الذى لا يأتى بزمن جديد ، وإنما يؤكد زمنا مفهوما من عامله. ومن أمثلة قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً.) فالظرف : «ليلا» لا جديد معه إلا التوكيد لزمن الإسراء ؛ لأن الإسراء لا يكون إلّا ليلا ...
ومثله : سرت حينا ومدة ، لأن الظرف لم يزد زمنا جديدا غير الزمن الذى دل عليه الفعل (٤)
__________________
(١) فى ص ٢٣٩.
(٢) من كل ما لا يدل على حقيقته بنفسه ، وإنما تعرف بما تضاف إليه ؛ مثل : مكان ـ ناحية ـ أمام ـ وراء ـ جهة ... فيقال مثلا : مكان على ـ ناحية محمود ...
(٣) راجع حاشية الخضرى ، باب الظرف ـ ج ١ ـ ففيها تلخيص الرأيين ، وبيان الأنسب منهما ، وأنه المفهوم من كلام صاحب الهمع فى هذا الباب.
(٤) انظر رقم ٢ من هامش ص ٢٣٩.