الجنِّ قدِ استبطنوا الواديَ يريدونَ كيدَه وإيقاعَ الشّرِّ بأصحابه عندَ سلوكِهم إِيّاه ، فدعا أميرَ المؤمنينَ علي بنَ أبي طالبٍ عليهالسلام وقالَ له : « اذهبْ إِلى هذا الوادي ، فسيَعرِضُ لكَ من أعداءِ اللّهِ الجنَ مَنْ يُريدُك ، فادفعْه بالقوّة الّتي أعطاكَ اللهُ عزّ وجلّ ، وتَحصَّنْ منه بأسماءِ اللهِ الّتي خَصَّكَ بعلمِها » وأنفذَ معَه مائةَ رجلٍ من أخلاطِ النّاسِ ، وقالَ لهم : « كونوا معَه وامتثِلوا أمرَه ».
فتوجّهَ أميرُ المؤمنينَ عليهالسلام إِلى الوادي ، فلمّا قاربَ شَفِيرَه أمرَ المائةَ الّذينَ صَحِبوه أن يَقِفوا بقرب الشّفيرِ ، ولا يُحدِثوا شيئاً حتّى يَأذنَ لهم. ثمّ تقدّمَ فوقفَ على شفيرِ اَلوادي ، وتعوّذَ باللهِ من أعدائه ، وسمّى الله عزّوجلّ وأومأ إِلى القوم الّذينَ تَبِعوه أن يَقرُبوا منه فقَربوا ، فكانَ بينَهم وبينَه فُرجةٌ مسافتُها غًلْوةٌ (١) ، ثمّ رَامَ الهبوطَ إِلى الوادي فاعترضتْه (٢) ريحٌ عاصفٌ كادَ أن يَقَعَ القومُ على وجوهِهم لشدّتِها ، ولم تَثبُتْ أقدامُهم على الأرضِ من هَوْلِ ما لَحِقَهم. فصاحَ أميرُ المؤمنينَ : « أنا عليُّ بنُ أبي طالبِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ ، وصيُّ رسولِ الله وابنُ عمِّه؛ اثبُتُوا إِنْ شِئتم » فظهَرَ للقوم أشخاص على صورةِ الزُّطِّ (٣) تخيّل في أيديهم شُعَلُ النّارِ ، قدِ اطمأنوا بجَنَبَاتِ الوادي ، فتوغّلَ أميرُ المؤمنينَ عليهالسلام بطنَ الوادي وهو يتلو القرآنَ ويُومِئ بسيفِه يميناً وشِمالاً ، فما لَبِثَتِ الأشخاصُ حتّى صارتْ كالدُّخَانِ الأسودِ ، وكبّرَ
ـــــــــــــــــ
(١) الغلوة : المسافة التي يبلغها السهم عند رميه « مجمل اللغة ـ غلو ـ ٣ : ٦٨٣ ».
(٢) في « م » وهامش « ش » : فاعترضت.
(٣) الزط : جيل من الناس ، الواحد زطي. « الصحاح ـ زطط ـ ٣ : ١١٢٩ » وفي هامش « ش » : الزط : قوم من الزنج.