فصل
ثمّ كانت غَزاة حنَين ، استظهَرَ رسولُ الله صلىاللهعليهوآله فيها بكِثرة الجَمْع ، فَخَرج عليهالسلام متوجّهاً إلى القوم في عشرة الاف من المسلمين ، فظَنَّ أكثرُهم أنّهم لن يُغْلَبوا لمِا شاهَدوه من جمعهم وكثرة عُدَّتِهم وسِلاحهم ، وأعْجَب أبا بكر الكثرةَ يومَئذٍ فقال : لن نُغلب اليوم من قلة ، فكان الأمر في ذلك بخلاف ما ظنّوه ، وعانهم (١) أبوبكر بعجبه بهم.
فلمّا التقَوْا مع المشركين لم يَلْبَثوا حتى انهزموا بأجمَعِهم ، فلم يَبْقَ منهم مع النبي صلىاللهعليهوآله إلاّ عشرةُ أنفس : تسعةٌ من بني هاشم خاصّةً ، وعاشرُهم أيمنُ بن أُمّ ايمَن ، فقًتِل أَيْمَن رحمهالله وثبت تسعة النفر الهاشميّون حتى ثابَ إلى رسول اللّه صلىاللهعليهوآله من كان انهزم ، فرجعوا أوّلاً فأوّلاً ، حتى تلاحَقوا ، وكانت الكَرة لهم على المشركين.
وفي ذلك أنزل الله تعالى وفي إعجاب أبي بكر بالكثرة : ( وَيَوْمَ حنين اِذْ اَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتكُمْ فَلَمْ تغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرينَ * ثُمَّ أنْزَلَ أللّهُ سَكِينَتهُ عَلى
ــــــــــــــــــ
(١) عانه : أصابه بالعين ، وهو أثر عين الحاسد في المنظور. أنظر « الصحاح ـ عين ـ ٦ : ٢١٧١ ».