فصل
ومن كلامِه عليهالسلام حينَ
نهَض من ذي قار متوجِّهاً إِلى البصرةِ
بعدَ حمدِ الله والثّناءِ عليهِ والصّلاةِ على رسول اللهِ صلىاللهعليهوآله : « أَمّا بعدُ : فإِنَّ اللهَ فَرَضَ الجِهادَ وعظَّمَهُ ، وتجعَلَهُ نصْرةً له ، واللهِ ما صَلَحَتْ دُنيا قَطُّ ولا دِينٌ إِلآ به. وِانّ الشيطانَ قد جَمَعَ حِزْبَهُ ، واستجلَبَ خَيْلَهُ ، وشبَّهَ في ذلك وخَدَعَ ، وقد بانَتِ الاُمورُ وتمخَّضَتْ. واللهِ ما أنكروا عَليَّ مُنكَراً ، ولا جَعَلوا بيني وبينَهِم نِصْفاً ، وِانّهم لَيطلُبون حقّاً تَركوه ، ودماً هم سفكوه ، ولَئنْ كُنتُ شرِكتُهم فيهِ إِنَّ لهم لَنصيبَهم منه ، ولَئنْ كانوا وَلُوهُ دُوني فما تَبِعتُهُ إِلاّ قِبَلهم ، وِانّ أعظمَ حُجَّتِهم لَعَلى أنفُسِهم ، وإنّي لعَلى ـ بَصيرتي ما لُبِّسَتْ عَلَيَّ ، وإنَّها لَلفئَةُ الباغيةُ فيها الحُمّى (١) والحُمّةُ (٢) قد طالتْ هُلْبَتُها وأمكًنَتْ دِرَّتها ، يرضَعون أمَّاً فطًمَتْ ، ويحُيونَ بَيْعةً تُرِكَت ، لِيعودَ الضَّلالُ إِلى نِصابهِ.
ما أعتذِرُ ممّا فَعلتُ ، ولا أتبرأ ممّا صَنَعت ، فخَيْبةً للدّاعي ومَنْ دعا لو قيلَ له : إِلى مَنْ دَعواكَ؟ وإلى مَنْ أجَبْتَ؟ ومَنْ إِمامُكَ؟ وما سًنَّتهُ؟ إِذاً لَزاحَ الباطلُ عن مَقامِه ، ولَصَمت لِسانُهُ فَما نَطَقَ. وايمُ اللّهِ ، لافرُطَن (٣) لهم حَوضاً أنا ما تحه (٤) ، لايَصْدُرونَ عنه ولايَلْقَونَ بعدَه ريّاً
ــــــــــــــــــ
(١) الحُمى : المرض المعروف.
(٢) الحُمَة : سم العقرب ، والمراد الشدة والضيق. « الصحاح ـ حمى ـ ٦ : ٢٣٢٠ ».
(٣) أفرط الحوض : ملأه. « الصحاح ـ فرط ـ ٣ : ١١٤٨ ».
(٤) الماتح : المستقي. « الصحاح ـ متح ـ ١ : ٤٠٣ ».