العقلّي مع أنّا قائلون : بأنّه لم يقع ، وهذا مثل سائر ما تجوزه الأشاعرة من الأمور الممكنة كالرّؤية وغيرها ، والتّجويز العقلي لا يستلزم الوقوع «انتهى»
أقول :
فيه نظر من وجوه ؛ أما أولا فلأنّ ما ذكره من أن المراد من جواز التّكليف بما لا يطاق إمكانه الذاتي دون الوقوعي إنما هو مذهب بعض متأخّري الأشاعرة الذين فرّوا عن الشّناعات اللّازمة لمذهب شيخهم ، وأمّا مذهب شيخهم ومن تابعه من متقدّمي أصحابه وهو الذي قصد المصنّف أن يتكلّم عليه هاهنا ، فهو الإمكان الوقوعى كما يدلّ عليه استدلالهم بالتّكليف بإيمان أبي لهب (١) ونحوه ، وقال الغزالي في المنخول : إنّ هذا المذهب لائق بمذهب شيخنا لازم له من وجهين آخرين ، أحدهما : أنّ القدرة الحادثة عنده لا تأثير له في المقدور ، فهو واقع باختراع الله تعالى فقد كلّفنا فعل الغير ، والآخر : أنّ القاعدة عنده غير قادر على القيام وهو مأمور بالقيام وقدرة القيام تقارن القيام «انتهى».
فقول الناصب : وهم متّفقون أنّ التّكليف بما لا يطاق لم يقع قطّ في الشّريعة بحكم الاستقراء «إلخ» يكون كذبا وسنزيد ذلك وضوحا عن قريب إن شاء الله تعالى ، وأما ثانيا فلأنّ ما ذكره في الدليل على الجواز من أنّه لا يجب عليه تعالى شيء مردود بما مرّ : من أن نفى الوجوب بالمعنى الذي ذكره أهل العدل مخالف للعقل والنّقل
__________________
(١) هو أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب عم سيدنا ونبينا رسول الله صلىاللهعليهوآله وزوجته ام جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس ، مات في السنة الثانية من الهجرة بعد غزوة بدر ، وكان في مبادي الإسلام معاضدا لرسول الله (ص) ، ثم تغير حاله وصار من أشد المظاهرين عليه (ص) وذلك باغواء أبى جهل وعقبة بن أبى معط إياه ، وذكر بعض علماء الأنساب له عقبا متسلسلا.