لنفس مفهومه كجمع الضّدين وقلب الحقائق ، وإعدام القديم ، فقالت الأشاعرة في هذا القسم إنّ جواز التّكليف به فرع تصوره ، وهو مختلف فيه ، فمنهم من قال : لا يتصور (١) الممتنع لذاته ، ومنهم من قال : بإمكان تصوره ، وبالجملة لا يجوز التّكليف به أصلا ، لأنّ المراد بهذا الجواز الإمكان الذاتي ، والتّكليف بالممتنع طلب تحصيل ما لم يمكن بالذّات
__________________
(١) وقوع الممتنع لذاته كاجتماع النقيضين واجتماع الضدين وغيرهما في حيز التصور مما يشهد به الحس والوجدان. كيف؟ ومن حكم بان اجتماع الضدين محال فقد تصور مفهوم اجتماع الضدين لا محالة ، فان الحكم في القضية فرع تصور الموضوع والمحمول ، ويمتنع الحكم بدون تصور موضوعه. ولعل منشأ هذا التوهم منهم اشتباه المفهوم بالمصداق فان المستحيل من اجتماع النقيضين واجتماع الضدين وغيرهما من المستحيلات العقلية هو مصداق تلك الأمور دون مفهومها ، وما يحصل عند النفس ويقع في حيز التصور هو مفاهيم الأمور ، واما مصاديقها فلا تتحقق الا في حيز الخارج ، وهي التي حكم العقل باستحالتها.
فان قلت : ان الحكم في قضية «اجتماع النقيضين محال» انما هو مفهوم اجتماع النقيضين الحاضر عند النفس لما ثبت في محله من انه لا يتعلق حكم النفس الا بما حضر عندها من المفهوم.
قلنا : الصور الذهنية مرائى للخارج ، والمرآة لها جهتان ، جهة الاستقلال وهي وجودها الثابت لها في نفسه في قبال المرئي ، وجهة المرآتية وبهذا الاعتبار فهي فانية في المرئي والناظر فيها لا يرى إلا مرئيها ، والموضوع في القضايا حيث يحكم بها النفس هي الصور الذهنية ، فتحقق قولهم لا يتعلق حكم النفس الا بما حضر عندها ، لكن تعلق الحكم لتلك الصور ليس الا من حيث الجهة الثانية اعنى المرآتية ، والنفس عند ما تحكم عليها لا يرى الا الخارج ، ولا يحكم الا على الخارج ، فإذا حكم النفس بان النار حارة فموضوع القضية عندها ليس الا الصورة الذهنية من النار فإنها الحاضر عند النفس دون النار الخارجية ، الا ان وقوعها في حيز الحكم من جهة حكايتها عن الخارج وكونها مرآة له وفانية فيه ومتحدا معه اتحاد المرآة مع المرئي ، وهذا حقيقة الوجود الذهني الذي حكموا بثبوته وأثبتوه للماهيات في قبال الوجود الخارجي. ومنشأ الحكم بثبوت الوجود