هذا الرّجل من أنّ المكلّف للزّمن الطيران إلى السّماء وأمثاله يعدّ في العقل سفيها ، وقد مرّ فيما مضى إبطال الحسن والقبح العقليّين ، ولا بدّ في هذا المقام من تحرير محل النّزاع فنقول : إن ما لا يطاق على مراتب ، أحدها أن يمتنع الفعل لعلم الله (١) بعدم وقوعه ، أو تعلّق إرادته أو إخباره بعدمه فإنّ مثله لا يتعلق به القدرة الحادثة مع الفعل (٢) لا قبله ؛ ولا يتعلّق بالضّدين بل لكلّ واحد منهما قدرة على حدّه يتعلّق به حال وجوده عندنا ، ومثل هذا الشّيء لمّا لم يتحقّق أصلا فلا تكون له قدرة حادثة تتعلّق به قطعا ، والتّكليف بهذا جائز ، بل واقع إجماعا ، وإلّا لم يكن العاصي بكفره وفسقه مكلّفا بالايمان وترك الكبائر ، بل لا يكون تارك المأمور به عاصيا أصلا وذلك معلوم بطلانه من الدّين ضرورة الثاني : أن يمتنع
__________________
(١) الحكم بامتناع فعل العبد وانسلاب الاختيار عنه في فعله لعلم الله تعالى بعدم وقوعه في غاية الجهل والضلال. ومن أجهل ممن حكم بانه إذا حصل لاحد العلم بان زيدا يزني غدا واخبر به ان علمه بذلك واخباره عنه يوجب سلب الاختيار عن زيد في فعل الزنا وكونه مجبورا في ذلك لا يقدر على تركه. والوجه ان حقيقة العلم ليست الا محض الكشف والحكاية ، ومن البديهي انه لا دخل للكاشف والحاكي في تحقق المنكشف والمحكي وعدمه. وقد ذكر بعض الاجلة ان مدخلية الكاشف في تحقيق المنكشف يستلزم الدور لكون الكشف في مرتبة متأخرة عن المنكشف ، فلو كان له دخل في تحقيق المنكشف لتوقف تحققه على تحقق الكشف وهذا دور صريح.
(٢) لا يخفى عليك ان في كون القدرة على الفعل مقارنة له او متقدمة عليه خلافا مشهورا بين الحكماء والمتكلمين ، وذهب اكثر الاشاعرة الى كونها مقارنة له والتحقيق كما عليه اكثر الامامية والمعتزلة وبعض الاشاعرة كونها سابقة بالذات حادثة التعلق بالخارج الذي هو متعلق القدرة.
ثم ليعلم ان في مبحث القدرة مسائل شتى قد أشرنا الى بعضها في التعاليق السابقة فليراجع.