أحدا (١) ، والظلم هو الإضرار بغير المستحق وأىّ إضرار أعظم من هذا ، مع أنّه غير مستحق ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا «انتهى».
قال النّاصب خفضه الله
أقول : مذهب الأشاعرة أنّ تكليف ما لا يطاق جائز ، والمراد من هذا الجواز الإمكان الذاتي ، وهم متفقون أنّ التكليف بما لا يطاق لم يقع قطّ في الشريعة بحكم الاستقراء ، ولقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، والدليل على جوازه أنّه تعالى لا يجب (٢) عليه شيء فيجوز له التكليف بأىّ وجه أراد ، وإن كان العلم العاديّ أفادنا عدم وقوعه ، وأيضا لا يقبح من الله شيء ، إذ (يَفْعَلُ (٣) ما يَشاءُ* يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) ، ومذهب المعتزلة عدم جواز التكليف بما لا يطاق لأنّه قبيح عقلا بما ذكره
__________________
(١) الكهف. الآية ٤٩.
(٢) لا يخفى ان مقتضى كون ذاته تعالى مستجمعة لجميع الصفات الكمالية التي منها العدل والحكمة وجوب ترك التكليف بما لا يطاق واستحالة التكليف به ، وانه تعالى مع قدرته الكاملة الشاملة على جميع
الممكنات حتى القبائح لا يختار إيجاد القبيح لأنه تعالى لا يفعل خلاف العدل والحكمة ، فقول الناصب : انه تعالى لا يجب عليه شيء ، ان أراد منه نفى ما ذكرناه من الوجوب ، فقد عرفت بطلان مقالته ، وأنه مقتضى ذات الواجب تعالى المستجمعة لجميع صفات الكمال ، وان أراد منه معنى غير ما ذكرنا على حد ما يتوجه من الوجوب الى العباد أعنى الوجوب المستلزم لاستحقاق المؤاخذة ، فلم يتفوه به من له أدنى مسكة من الناس.
(٣) التعليل بالآية الشريفة على مدعاه في غاية الفساد ، فان من الواضح أنه ليس مقتضى كونه تعالى (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) أنه يشاء القبائح. وقد أجمع الاصوليون على ان القضية لا تتكفل لاثبات تحقق موضوعها.