ولا طاقة له به ، وأن يطلب منه فعل ما يعجز عنه ويمتنع منه ، فلا يجوز له أن يكلّف الزمن الطيران إلى السماء ، ولا الجمع بين الضدين ، ولا بكونه في المشرق حال كونه في المغرب ، ولا إحياء الموتى ، ولا إعادة آدم ونوح ، ولا إعادة أمس الماضي ، ولا إدخال جبل قاف (١) في خرم (٢) الإبرة ، ولا شرب ماء دجلة في جرعة واحدة ولا إنزال الشّمس والقمر إلى الأرض ، إلى غير ذلك من المحالات الممتنعة لذاتها ، وذهبت الأشاعرة إلى أنّ الله تعالى لم يكلّف العبد إلّا ما لا يطاق ، ولا يتمكن من فعله ، فخالفوا المعقول الدّال على قبح ذلك ، وهو أنّه تعالى لا يفعل القبيح ، والمنقول وهو المتواتر من الكتاب العزيز ، قال الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٣) (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٤) (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) (٥) (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ
__________________
(١) قال صفى الدين البغدادي في مراصد الاطلاع (ج ٣ ص ١٠٥٩ طبع مصر) ما لفظه (قاف) بلفظ احد الحروف المعجمة ، قيل هو الجبل المحيط بالأرض ، وقال شيخنا العلامة الطريحي النجفي في مجمع البحرين : قوله تعالى ((ق)) هو جبل محيط بالدنيا من وراء يأجوج ومأجوج ، وقال العلامة الزبيدي في (ج ٦ من تاج العروس طبع مصر ص ٢٢٨) ما لفظه مازجا بعبارة القاموس : وجاء في بعض التفاسير ان ((ق)) جبل محيط بالأرض ، قال الله تعالى : (ق) وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) كما في العباب والصحاح ، وقال شيخنا : ان اسم الجبل المحيط (قاف) علم مجرد عن الالف واللام ، وقد وهم المصنف الجوهري بمثله في (سلع) الذي هو جبل بالمدينة وقال انه علم لا تدخله اللام وكأنه نسى هذه القاعدة التي أصلها. الى آخر ما أفاد.
وأورد ابن منظور (في لسان العرب ص ٢٩٣ ج ٩ طبع بيروت) ما نقلناه عن التاج.
(٢) خرمه خرما : ثلمه ، ثقبه ، خرم الخرزة : فصمها ، خرم الأنف : شق وترته ، خرم الابرة كسر ثقبها.
(٣) البقرة. الآية ٢٨٦.
(٤) فصلت. الآية ٤٦.
(٥) غافر. الآية ١٧.