أقول :
لا نسلم أنّه تعالى في الآية المذكورة جعل مجرّد العبودية سببا للتعذيب ، إذ الظاهر أنّ الإضافة في عبادك للعهد ، ولهذا لم يقل عباد لك ، أو عبدك فافهم ، فالمراد أنّهم عبادك الذين عرفتهم عاصين مكذبين لرسلك منكرين لأنبيائك ، وقد دلّ على عصيانهم وشركهم صدر الآية حيث خاطب الله تعالى فيه عيسى بن مريم عليهالسلام بقوله : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) (١) إلى آخر الآية ، وأمّا ما ذكره : من أنّ الأمثلة المذكورة من خلق السواد والطول ونحوهما أعراض خلقت ، ولا يتعلق به ثواب وعقاب ، والأفعال المخلوقة ليست من هذه الأعراض «إلخ» فحقيق بالاعراض وذلك لأنّ التمثيل إنما هو بالنظر إلى اتّصاف الأعراض المذكورة بمحليّة العبد لها ، ولا ريب في مشاركة الأفعال لها في هذا الوصف ، فلا يظهر الفرق بين الأمرين في جعل المحل بالنسبة إلى أحدهما موجبا لترتّب الثواب والعقاب دون الآخر ، وأمّا المباشرة فإن أريد به أيضا معنى المحلية كما يشعر به ظاهر كلام المصنّف بمعنى أنّ العبد يصير محلا لمباشرة العصيان والاتصاف به ، فلا يحصل الفرق أيضا ، وإن أراد به صدور فعل المعصية مثلا عن العبد ، فقد وقع الاعتراف بأنّ العبد فاعل لبعض أفعاله ، فثبت مذهب أهل العدل إذ لا قائل بالفصل فافهم.
قال المصنّف رفع الله درجته
المطلب الثامن في امتناع تكليف ما لا يطاق ، قالت الإماميّة إنّ الله تعالى يستحيل عليه من حيث الحكمة تكليف (خ ل أن يكلف) العبد بما لا قدرة له عليه
__________________
(١) المائدة : الآية ١١٦.